يُحكى أنه في الماضي البعيد ، البعيد جدًا ، كانت الشمس تعيش على الأرض ، مثلما يعيش عليها البحر ، وقد تعودت الشمس بين الحين والآخر على زيارته ، وربما أطالت المكوث لديه ، تتبادل معه الحديث الممتع ، ويتناقلان أخبار هذا الكون الذي كان ما يزال وليدًا صغيرًا .حديث الشمس والبحر :
وفي يوم من ذات الأيام تنبهت الشمس إلى أمر صارحت به صديقها البحر ، فقالت الشمس للبحر : لقد كررت زيارتي لك ! أجاب البحر : انه كرم منك بلا شك ! فقالت الشمس : لكنك لم ترد إليّ الزيارة قط ! أجاب البحر : ظروفي تمنعني من ذلك مع الأسف الشديد ! فقالت له الشمس : أي ظروف هذه التي تحول بينك وبين أداء الواجب ؟!البحر وسبب عدم أداء الواجب :
أجاب البحر على الشمس قائلا لها : إنني كبير واسع مترامي الأطراف ، ثم إن عندي أبناء وأحياء ومخلوقات كثيرة ، من حيتان وأسماك وطيور وسباع و… إلخ ، ولا أستطيع أن أتركهم ، كما أن بيتك لا يمكن أن يسعها .تسامح الشمس مع صديقها البحر وقبول اعتذاره :
قالت له الشمس : عذرك هذا مقبول ، وليس أمامي إلا أن أقوم ببناء بيت كبير ضخم ، يتسع للأصدقاء القادمين لزيارتي ، بأعداد كبيرة ، وبذلك لا يكون لك عذر تبرر به عدم زيارتك لي .. قال البحر : شكرًا على دعوتك الكريمة ، ولابد أن نلبيها ، ونسعد بوجودنا في قصرك الكبير .بيت الشمس ومساعدة القمر :
بدأت الشمس تبني البيت ، يعاونها في ذلك القمر ، زوجها المخلص ، وكانا يرغبان أن يزورهما البحر وأعوانه وأصحابه ، لذلك قاما معًا يشيدان بيتًا كبيرًا متسعًا ، كي يستقبلا فيه الضيف وأتباعه، كالحوت والدرفيل ، ثم قدما له الدعوة ليتفضل عليهما بالزيارة .الدعوة لزيارة البيت الكبير :
فسأل البحر : هل البيت آمن ويكفينا ؟ قالا له : نعم ، فقال لهما البحر : شكرًا على ما تتمتعان به من كرم ونبل وفضل ، قالت له الشمس : المياه تستحق منا كل التقدير ، فهي أصل الحياة ، قال البحر : ما من أحد ينكر فضلك يا شمس الحياة ، أجابت الشمس : هيا تعال يا بحر إننا في انتظارك .زيارة البحر وصعود الشمس والقمر :
وتبدأ المياه في التدفق ، أمواجًا إثر أمواج ، حاملة معها كل الأحياء والمخلوقات التي تعيش في البحر ، لتدخل بيت الشمس والقمر، وأخذت تعلو .. وتعلو .. وتعلو ..، حتى ما عاد هناك مكان لصاحبي المنزل ، لذلك أخذا يصعدان إلى سطح البيت ، وهما خجولان ، فما كانا يتصوران أن يضيق بهما البيت إلى هذا الحد !الشمس والقمر :
وبدأت المياه تغمر كل أركان الدار ، ووصلت سقفه وتجاوزته ، ارتفاعًا إلى السطح ، والشمس والقمر يرحبان بالوافد الضيف ، واضطرا إلى مغادرة المكان والصعود إلى أعلى .. إلى أعلى .. إلى أعلى .. لم يعد للشمس والقمر مكان على سطح الأرض ، لأن البحر احتل بيتهما ، رغم اتساعه ، وسكن الشمس و القمر في السماء الزرقاء ، واستقرا فيها ، ليتطلع إليهما الناس ، وليتذكروا مدى كرمهما وجودهما .الشمس والقمر والبحر وعلاقة الصداقة القوية :
وكانت الشمس خلال النهار تفرش مياه البحر بنورها ، وتمده بالدفء والحرارة ، وكانت هذه بدورها تقوم بتحويل بعض المياه إلى بخار ، يصعد إلى أعلى لرغبته في زيارة الشمس ، حيث هي في سمائها ، وكان القمر ليلا يغطي سطح المياه بضوء فضي جميل ، يلمع ويتألق ، وكان البحر بدوره يعكس هذا الضياء ليتجمل به كوكب الأرض كله .البشر أصحاب العقول :
إن الصلة بين البحر والشمس والقمر لم تنقطع قط منذ صعودهما إلى السماء ، لقد بقيت علاقة الصداقة قائمة أبد الآباد ، ويقول الأفارقة : إن كان هذا يحدث بين هذه الجمادات ، فيجدر به أن يقع بين البشر ، أصحاب العقول الذكية !