روى أنه كان هناك صاحب مزرعة ، وكان رجلاً طيبًا تقيًا صالحًا ، وعنده غلام للحراسة ذو أخلاق شرسة ، يغضب من أقل كلمة ، ويحتد ويقذف أفظع الشتائم .صاحب المزرعة وتقويم الغلام بالنصح والإرشاد :
فكان صاحب المزرعة ينصح له بالابتعاد عن هذه الخصلة الذميمة ، ويحثه مرارًا على أن يقمع غضبه ، ويضبط نفسه ، ويحفظ لسانه ، من ذكر قبيح القول ، فكان يجيبه : هذا مستحيل عليّ ، لأني أرى نفسي مصاب بداء سوء الخلق ، وجُبلت على معاكسة الإنسان والحيوان .علاج سوء الخلق بالعقل والحلم :
فلما أراد صاحب المزرعة معالجة أخلاق هذا الغلام الشرير ، قال له : أصغ إليّ أيها الغلام ، وانظر إلى هذه القطعة الجميلة الفضية الجديدة ، والتي تساوي خمسة فرنكات ، فإني على استعداد تام أن أهبك إياها ، في هذا المساء إن صبرت طول النهار ، دون أن تتفوه بكلمة قبيحة ، وكظمت غيظك .الشرط وقبوله وضبط النفس :
فقبل الغلام هذا الشرط برضا وفرح شديدين ، إلا أن رجال القرية ، وكانوا يكرهونه لسوء خلقه وسوء معاملته ، واتفقوا فيما بينهم على حرمانه من هذه المكافأة ، وقد أفرغوا مجهودهم في معاكسة الغلام لاستفزازه وتهييج غيظه ، ولكن الغلام ضبط نفسه جيدًا ، ولم ينطق بكلمة تدل على سوء أدبه .فلما جاء المساء ، دفع له صاحب المزرعة الريال الذي وعده به ، وقال له : يلزمك يا بني أن تستحي خجلاً ، لأنك لم تستطيع أن تتغلب على أميالك العصبية ، إلا لأجل هذه القطعة الفضية ، وإنك عاجز عن قبول النصيحة الذهبية حبًا في الله ، وعملاً بأوامره ، فأثر هذا القول في الغلام ، فاجتهد في إصلاح خلقه السيئ ، وتجنب خطيئة الغضب والحدة ، وأصبح لطيف الطبع حسن الخلق .أبي حنيفة والرجل السئ الخلق :
ويروى أيضًا ، أنه في يوم من ذات الأيام في قديم الزمان ، شتم رجلٌ أبا حنيفة ، وهو في درسه وأكثر ، فلما التفت إليه ، ولا قطع كلامه ، ونهى أصحابه عن مخاطبته ، فلما فرغ وقام ، تبعه الرجل إلى الباب داره .تصرف أبي حنيفة بالعقل والحلم :
فقام على بابه ، وقال للرجل : هذه داري ، إن كان معك شئ فأتمه ، حتى لا يبقى في نفسك شيء ، فاستحا الرجل من أبي حنيفة ، وانصرف مخذولاً.الأطيبان والأخبثان :
ويحكى أيضًا عن لقمان النوبي الحكيم ، أعطاه سيده شاة وأمر أن يذبحها ، وأن يأتيه بأخبث ما فيها ، فذبحها وأتاه بقلبها ولسانها ، ثم أعطاه شاه أخرى وأمره بذبحها ، وأن يأتيه بأطيب ما فيها ، فذبحها وأتى بقلبها ولسانها .القلب واللسان الأطيبان والخبيثان :
فسأله عن ذلك ، فقال : يا سيدي لا أخبث منهما ، إذا خبثا ، ولا أطيب منهما إذا طابا .