كان سيدنا الحسن وسيدنا الحسين رضيّ الله عنهما ، على جانب عظيم من الأدب وحسن الذوق ، بدليل أنهما كانا سائرين في الطريق ، فمرا على رجل يتوضأ ، ولكنه لم يحسن الوضوء .أخطاء وضوء الرجل الكبير في السن :
لأنه لم يغسل وجهه تمامًا ، ولم يحسن غسل يديه كلتيهما ، وترك بعض رجليه دون غسيل ، فلما رأى الحسن والحسين ذلك من الرجل أرادا إرشاده إلى خطئه في الوضوء ، وكان الرجل أكبر منهما سنًا ، فخفا إذا ما هما قالا له : أعد الوضوء ، أو إن وضوءك غير صحيح ، أو أنت لا تعرف الوضوء ، أن يخجل الرجل ويغضب من كلاهما .الحيلة الذكية للنصح والإرشاد :
ففكرا في حيلة يعملانها لإرشاده ، بدون أن يحدث له أدنى خجل في ذلك ، فتقدم إليه أحدهما ، وقال له : أيها الشيخ الكبير ، إن أخي هذا يظن أنه يحسن الوضوء أكثر مني ، فنسألك أن تنظر إلى كل منّا وهو يتوضأ ، ثم تشهد لمن يحسن الوضوء منا ، فتوضأ كلٌ منهما ، والرجل ينظر إليهما ، فرأى كل واحد منهما يحسن الوضوء جيدا ، وفهم أنه هو الذي لم يحسن الوضوء ويقصدان إرشاده .مراعاة الأدب وحسن الإرشاد من واجبات العباد :
فقال لهما الرجل الكبير : إني أشكر لكما حسن إرشادكما ، وكمال أدبكما ، وأعترف بأني أنا الذي لا أحسن الوضوء ، وقد تعلمت منكما الآن كيف أتوضأ ، وهاأنذا أعيد الوضوء أمامكما .الزم الأدب في صغرك ، يلزمك في كبرك :
يروى أيضًا عن الأدب التأدب ، أنه خرج أحد الحكماء ذات يوم إلى الخلاء ، ومعه أحد أولاده ، فسارا حتى وصلا إلى غيضة ناضرة الأشجار ، زاهية الأزهار ، يانعة الأثمار ، وبجانبها شجرة صغيرة قريبة من الطريق قد أمالتها الريح ، وكاد رأسها يمس الأرض .الحكيم وولده :
فقال الحكيم لولده : انظر إلى تلك الشجرة المائلة ، واذهب فأرجعها إلى شكلها الأول ، فذهب الولد وأخذ يعالجها إلى أن عدلّها ، ثم انطلقا حتى إذا قربا من (جميز) شجرة كبيرة كثيرة العقد والاعوجاج ، فقال الحكيم لولده : انظر يا بني إلى هذه الشجرة ، ما أحوجها إلى من يصنع معها معروفًا فيعدلها ، ويزيل عنها عيوبها التي شنتها ، وحطت من قيمتها في أعين الناظرين ، فانحُ نحوها ، وافعل بها كما فعلت بالتي قبلها .فطنة الولد :
فتبسم الولد عجبًا وقال : إني لا أكره صنع المعروف ، إلا أن تلك الشجرة غير قابلة للتعديل لكبرها ، نعم كان يمكن ذلك ، في زمن صغرها ، وأما الآن فمن المحال ، ولو اجتمع عليها عصبة من الأبطال .ذكاء ابن الحكيم وفطنته :
فأعجب الحكيم بابنه ، وفرح به لما آنس من شدة ذكائه ، وراقه جوابه ، وقال : صدقت يا بني ، (لأن من شب على شيء ، شاب عليه ، فالزم الأدب في صغرك ، يلزمك في كبرك).أنشودة الحكيم :
ثم رجعا من حيث أتيا ، والأب يردد في نفسه هذا الكلام ، ما أسهل تهذيب النفس في الصغر ، وما أصعبه في الكبر ، وأنشد يقول :قد ينفعُ الأدبُ الأطفالَ في صِغَرً .. وليسَ ينفعُ عندَ الشّيبةِ الأدبُ ..
إنّ الغُصُونَ إذا قَوّمتَها اعتدَلت .. ولن تَلِينَ إذا قَوّمتَها الخُشُبُ ..