كان هناك نسّاج طيب القلب يعيش في قديم الزمان ، وكان يكسب رزقه من عرق جبينه ويأكل لقمته بالحلال ، حيث أنه كان يقوم بفتح باب دكانه الخشبي في الصباح ، فيبدأ بالبسملة ثم يتجه نحو نوله الخشبي الكبير ، وكان يشد على طرفيه خيوط السدّي التي تبدو طولية ، ثم يقوم بالتوجه إلى حفرته قبالة النول ، فينزلها وهو يحرك تلك الخيوط .ثم يبدأ النسّاج في رمي المكوك يمينًا ويسارًا ، وهو يبدأ في نسج البساط أو السجادة بالخيوط العرضية الملونة ، فيصنع “حيطان من خيطان” ، وذات مرة أثناء رميه مكوكه يمينًا ويسارًا ؛ قام بالغناء قائلًا :”رُح مكوك .. تعال مكوك .. عندى مال يكفي ملوك” ، وفي هذا الوقت مرّ أحد اللصوص بالصدفة من أمام الدكان .سمع اللص غناء النسّاج ، فلعب الفأر في عبّه كما يُذكر في الأمثال ، فعزم على سرقة المال ، وما إن نامت العيون حتى تسللّ بالفعل إلى الدكان ، وقام بكسر القفل ، ثم دخل وأخذ ينبش طابات الصوف والمخدات ، ولكنه لم يجد شيئًا ، فالتفت حوله فرأى الحفرة التي تقوم بتحريك خيوط النول ، فنزلها وقام بإزاحة طرف البساط الصغير .في ذلك الوقت كاد اللص أن يطير من الفرح ، لدرجة أنه نسي نفسه فصاح قائلًا : “أوه.. جرة مليئة بالليرات الذهبية تشغل نصفها” ، ثم حمل الجرة وأخفاها تحت عباءته وانطلق سريعًا ، وبعد مرور عدة أيام فكرّ اللص في المرور من أمام النسّاج كي يشمت به ، حيث أنه كان يتخيله يجلس أمام دكانه وقد لطم وجهه بكفيه منتحبًا كالنساء ، ولكنه شعر بالدهشة والحيرة فور اقترابه من الدكان .لقد رأى النسّاج وهو يحرك رأسه في سرور وهو يعمل ويردد :”لو خلّاها .. كمّلناها ، لو خلّاها .. كمّلناها” ، حينها ضرب اللص على جبينه وهو يقول :”ما أغباني ؛ لقد تسرعت ، وكان من المفترض أن أصبر قليلًا حتى تكتمل تلك الجرة حتى يطفح المال منها” ، ولم يصبر اللص حتى يحلّ الظلام ، حيث أنه ذهب مرةً أخرى إلى الدكان بمجرد أن أغلقه النسّاج وغاب عن الأعين .كسر اللص القفل مجددًا ثم أعاد جرة المال مكانها ، وفي الصباح حينما بدأت الحركة تدب في السوق ، قام اللص بالمرور من أمام دكان النسّاج ، ثم نظر إليه بطرف عينيه وسمعه وهو يغني مرددًا :”يا طماع يا صعلوك .. رجع المال قل مبروك .. رح مكوك .. تعال مكوك .. عندي مال يكفي ملوك” ، فصفع اللص خديه وهو يشهق منتحبًا كالنساء ، ثم مضى خائبًا متعثرًا بقدميه .القصة للكاتب السوري : خير الدين عبيد