كانت الحروب تشتعل نيرانها بين قبائل العرب لأتفه الأسباب ، ولكن الحرب بين قبيلتي بني بكر وخزاعة ترجع إلى أن رجلًا من بني الحضرمي وهو مالك بن عباد الذي كان حليفًا للأسود بن رزن البكري في الجاهلية خرج للتجارة ، فلما كان بأرض خزاعة قتلوه وأخذوا ماله ، فعدت بنو بكر علي رجل من خزاعة فقتلوه ، فعدت خزاعة علي بني الأسود بن رزن فقتلوهم بعرفة ، وكانوا من أشراف بني بكر.وبينما قبيلة بني بكر وقبيلة خزاعة علي ذلك بعث الله عزوجل النبي الخاتم صّل الله عليه وسلم نذيرًا وبشيًرا ورحمًة للعالمين ، فأشتغل الناس بما جاء به ، فمالت بنو بكر إلى قريش وكان من الطبيعي أن يصير هوي خزاعة مع رسول الله صّل الله عليه وسلم ، وإن ظل أكثرهم علي دين آبائهم علي الكفر ، ولما كان يوم صلح الحديبية جاء بديل بن ورقاء الخزاعي إلى النبي صّل الله علية وسلم ، وقال له : يا محمد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي ، قد نزلوا أعداد مياه الحديبية وهم مقاتلوك عن البيت ؛ أي مانعوك وصدوك عن البيت الحرام.فقال صّل الله عليه وسلم : إنا لم نأت لقتال أحد ، ولكنا جئنا معتمرين وان شاءت قريش مددناهم مدة ؛ أي جعلنا بيننا وبينهم مدة نترك الحرب فيها ، ويخلو بيني وبين الناس وان أبوا رفضوا ، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم علي أمري هذا حتى تنفرد سالفتي .فرجع بديل بن ورقاء إلى أشراف قريش ، وأخبرهم بما قال رسول الله صّل الله علية وسلم ، فكان صلح الحديبية وكان من بين شروط الصلح ؛ من أحب أن يدخل في عهد حلف رسول الله دخل ، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل ، فدخلت خزاعة في عهد النبي صّل الله علية وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، ونامت العداوة بين خزاعة وبني بكر.ولكن بني بكر انتهزت تلك الهدنة وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة ثأرهم بقتل بني الأسود ، فأخذ رجل من بني بكر ينشد هجاء ذم فيه رسول الله صّل الله عليه وسلم ، فسمعه رجل من خزاعة فشج رأسه ، فهاج الشر بينهم وثارت بنو بكر بخزاعة ، وأعانت قريش قبيلة بني بكر علي خزاعة وقتلوا منهم أناسًا كثيرين .فلما نقضت بنو بكر وقريش عهد الحديبية الذي بينهم وبين الصادق المصدوق صّل الله عليه وسلم ، خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة إلى مدينة رسول الله صّل الله علية وسلم ، فنادوه وهو يغتسل فقال صّل الله عليه وسلم : لبيك أنا مقيم علي طاعتكم ، وخرج أبو القاسم صّل الله عليه وسلم فأخبروه الخبر ثم رجعوا إلى مكة .ثم خرج رسول الله صّل الله عليه وسلم في جيش لجي وسار إلى مكة ، فلقي بديل بن ورقاء وابنة عبد الله بمر الزهران ، فقال العباس بن عبد المطلب : يا نبي الله هذا بديل بن ورقاء وابنه عبد الله ، فرأي النبي صّل الله عليه وسلم بعارضي بديل بن ورقاء الخزاعي سوادا فقال : كم سنوك أي كم عمرك ؟ قال بديل بن ورقاء : سبع وتسعون ، فقال نبي الرحمة صّل الله عليه وسلم : زادك الله جمالا وسوادا.وشهد بديل بن ورقاء وابنه عبدالله فتح مكة وغزوة حنين ، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بديل بن ورقاء أن يحبس السبايا والأموال والغنائم بالجعرانة حتى يرجع من الطائف ، ولما رجع أبو القاسم من حصار الطائف ، وجد بديل بن ورقاء قد حبس السبايا والأموال كما أمره نبي الرحمة صّل الله عليه وسلم ، فوزعها.وخرج بديل بن ورقاء وابنه عبد الله مع النبي صّل الله عليه وسلم إلى تبوك ، وشهد معه حجة الشرائع الوداع فركب بديل بن ورقاء جملا أورق ؛ وأخذ يطوف بين الحجاج في مني ويقول : أن رسول الله صّل الله عليه وسلم ينهاكم أن تصوموا هذه الأيام ؛ أيام التشريق فإنها أيام أكل وشرب ، وهي أيام عيد الأضحى ، ولما حضرت بديل ابن ورقة الوفاة دفع إلى ابن عبد الله كتابا وقال له: يا بني هذا كتاب رسول الله فاستوصوا فلن تزالوا بخير مادام فيكم ، وكان الكتاب بخط علي بن أبي طالب :بسم الله الرحمن الرحيم من رسول الله إلى بديل بن ورقاء وسروات بني عمرو ، فاني أحمد إليكم الله الذي لا اله إلا هو أما بعد ، فاني لم أثم بالكم ولم أضع في جنبكم ، وان أكرم أهل تهامة علي لأنتم وأقربهم حما ومن تبعكم من المطيبين ، وإني قد أخذت لمن هاجر منكم مثل ما أخذت لنفسي ، ولو هاجر بأرضه غير سكن مكة إلا معتمرًا أو حاجًا ، وإني لم اصنع فيكم إذا سلمتم وإنكم غير خائفين من قبلي ولا محضورين.أما بعد فانه قد أسلم علقمة بن علة وابنا هوذة ، وهاجرا وبايعا علي من تبعهم من عكرمة ، واخذ لمن تبعه منكم مثل ما أخذ لنفسه ، وإن بعضنا من بعض في الحل والحرم واني والله ما كذبتكم وليحيكم ربكم ، ومات بديل بن ورقاء زمن رسول الله .وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فتح عبد الله بن بديل بن ورقاء كرمان ثم أتي الطبسين من كرمان ، ثم قدم علي الفاروق فقال له : اقطعني الطسين ، وأراد أبو حفص ان يقطعه الطبسين فقيل له : إنهما رستاقان ؛ يقصد به السواد بالفارسية ، فامتنع أمير المؤمنين من ذلك.وفي عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، سار عبد الله بن بديل بن ورقاء علي مقدمة جيش عبد الله بن عامر فصالح أهل آبهان سنة تسع وعشرين من الهجرة ، ولما اشتعلت نيران الفتنة الكبرى رأي عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي عمار بن يا سر بجانب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فعرف أن أبا الحسن علي الحق بل صاحب الحق الأوحد .وكان دهاه العرب خمسة من قريش : معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي ، ومن ثقيف المغيرة بن شعبة ، ومن الأنصار قيس بن سعد بن عبادة ، ومن المهاجرين عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، ويوم صفين كان عبد الله بن بديل علي ميمنة جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وقاتل عبد الله بن بديل قتالّا شديدًا فانكشف أهل الشام فراح يضرب بسيفه حتى انتهي الي خيمة معاوية بن أبي سفيان فإزالة عن موقعة وأزال أصحابه الذين كانوا معه.ولكن الحجارة حاصرته من كل جانب ، ومر معاوية بن أبي سفيان في خواص أصحابة ، وكان معه عبد الله بن عامر ، وكان صديقًا لعبد الله بن بديل بن ورقاء فرآه بين القتلى ، فالقي علية عمامته وغطي بها وجهه وترحم عليه فقال معاوية : أترون كبش القوم قائد الكتيبة ؟ اكشفوا وجهه ، فقال عبد الله بن عامر : والله لا يمثل به ، فقال معاوية بن أبي سفيان : اكشفوا عن وجهه فقد وهبناه لك فغطاه عبد الله بن عامر بعمامته ، ثم حملة فدفنه ورواه بالتراب.