كانت زينب رضي الله عنها ، ترضع أمامة الصغيرة وتسرد لها قصصًا وروايات بشأن جدها محمد صلّ الله عليه وسلم ، وجدتها خديجة رضي الله عنها ؛ حيث أرادت أن تعلمها بأن الحب هو ما يصنع جذور الإنسان ويرسخها ولا يجعلها عرضة للاقتلاع بسهولة ، فكانت تسرد لها قصة حب أبيها وأمها ، وقصتها هي مع أبي العاص بن الربيع والد أمامة.عندما خرج الأب المشرك لمحاربة النبي عليه الصلاة والسلام ، انهزمت زينب ابنة النبي وشعرت بأن كل ما حولها ينهار في لحظات قليلة ، وبعد شفاعة من الأم زينب وعقب أن أطلق النبي سراح أبي العاص ، كان المقابل هو أن يطلق أبو العاص زوجته وتهاجر هي وابنتها إلى المدينة.وطوال الطريق كانت تفكر زينب في أن الحب الذي جعلها تشفع لزوجها عند أبيها ، هو نفسه الثمن الذي دفعته وانهارت مملكتها التي كانت تظن أنها باقية ، وفي طريقها إلى المدينة هي وابنتها ، انتفض البعير الذي كان يحمل السيدة زينب ، ووجدت أمامها أحد المشركين وقد بدأ يروّعها هي وابنتها بسيفه ، وكانت الأم مستلقية تنزف بشدة وتبكي جنينها الذي كان يحمله رحمها ، وصار الآن خيطًا من الدماء تتشربه رمال الصحراء.تلقى النبي هدية ذات يوم هدية ، كانت عبارة عن قلادة من الجزع محلاة بالذهب ، فعرضها النبي صلّ الله عليه وسلم على أهل بيته ، فقالوا جميعًا أنهن لم يرين في مثل جمالها أو فخامتها ، عند ذلك تأملها النبيّ ثم قال والله لأضعنها في رقبة أحب أحب البيت إليّ ، انتظروا جميعًا ليروا من التي ستتوج بتلك القلادة من نبيّ الله ، وقالت السيدة عائشة أنها كانت منقبضة القلب خشية أن يعطيها النبي صل الله عليه وسلم ، إلى أخرى فتغار منها.ويبدو أن تلك الجلبة التي أثارتها القلادة قد أيقظت أمامة الصغيرة التي كانت تلازم بيت جدها ، ولا تبرح كتفيه حتى أثناء الصلاة ، وفور استيقاظها تلقت هديتها من جدها محمد صلّ الله عليه وسلم ، وزينت بها رقبتها.عاشت أمامه أجمل أيام حياتها ، خاصة بعد أن أسلم أبيها واجتمع شمل أسرتها من جديد ، حيث رد الجد عليه زوجته ، ولكن لا تدوم السعادة كثيرًا فقد أخذت صحة زينب رضي الله عنها في التدهور ، حتى ماتت.أشرف محمد عليه الصلاة والسلام على غسل ابنته بنفسه ، فأخبر أن يتم تغسيلها بماء وسدر وكافورًا ، وأن يتم تبليغه فور الانتهاء من مراسم الغُسل ، وما أن تم إبلاغه حتى خلع إزاره ووضعه عليها حتى تشعر باحتضانه لها ، فبكت أمامة وبكي أبو العاص كثيرًا.وانتقلت أمامة داخل بيت النبي من كنف شخص إلى آخر ، ولكن سعادتها لم تدم طويلاً فبعد رحيل الأم رحل الجد عليه الصلاة والسلام ، ثم رحلت الخالة فاطمة تلاها الأب أبو العاص.وكان أبو العاص قد أوصى الزبير بن العوام بأن يأخذ أمامة لتعيش في كنفه هو وزوجته أسماء بنت أبي بكر ، وكان الأخيران يسعيان لمراضاة النبي عليه الصلاة والسلام ، سواء أكان حيًا أم ميتًا ، ولذلك كانا يعرفا مقدار حب النبي لأمامة ، فغمراها بمحبة هونت عليها تلك الأحزان المتتالية.وحان موعد الفرح من جديد ، حيث تزوجت أمامة بنت زينب من على بن أبي طالب رضي الله عنه ، وظلت تنهل من علمه وكرمه ، وكان علي يحبها حبًا جمًا إلى أن أصبح أميرًا للمؤمنين ، ثم استيقظت ذات يوم على مقتله.ظلت أمامة تدور حول جسد عليّ لا تدري ما تفعل ، وكانت تشعر بمحبته تفوق ما قبل ، انهارت على ركبتيها إلى جواره وظلت تبكي كما لم تبك من قبل ، ورفعت إصبعها بإشارة التوحيد.بعد وفاة علي أرسل معاوية بن أبي سفيان يطلبها للزواج ، فرفضت أمامة كما وصاها علي قبل موته ، فنفذت وصيته ، ثم تزوجت أمامة من المغيرة بن الحارث وأنجبت غلامًا ، وسألها زوجها ماذا نسميه فأجبات وهي تدور برأسها داخل الغرفة ، فلم تر سوى أطياف كل أحبتها ممن رحلوا ، فقالت سأسميه يحيى .