في بدايات إنشاء الكانزفان ، وهو مأوى للعميان في باريس ، وهو يعني الثلاثمائة ، لأنه لا يستوعب أكثر من ثلاثمائة أعمى ، نعلم أنهم كانوا جميعًا على قدم المساواة فيما بينهم ، وأن شؤونهم الصغيرة كانت تقرر بالتصويت الجماعي ، كانوا يميزون تمامًا باللمس بين النقود النحاسية والفضية ، ولا يخلط أحدٌ منهم بين خمر بري ، وبين خمر بورغونيا ، إذ أن حاسة الشم لديهم ألطف مما هي لدى جيرانهم من أصحاب العيون البصيرة .نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الفرنسي ، للكاتب والفيلسوف فرنسوا ماري أوريه ، وشهرته فولتير ولد في باريس ، في 21 نوفمبرعام 1694م ، عاش خلال عصور التنوير ، وتوفي فولتيير ، في 30مايو عام 1778م.إدعاء وسيطرة :
كانوا يتناظرون دون أي نقص حول الحواس الأربعة ، أي أنهم عرفوا كل ما يمكن أن يعرف ، وعاشوا مطمئنين وموفقين ، بمقدار ما يمكن لجماعة الكانزفان ، أن يكونوا عليه من طمأنينة دون قلق ، لكن أحد أساتذتهم زعم ، لسوء الحظ أن لديه تصورات واضحة عن حاسة النظر ، ووجد من يصغي إليه فشغل الأفكار ، وألف جمعًا من المناصرين المتحمسين له ، ثم إنهم بايعوه في النهاية رئيسًا لهم ، فراح يعطي أحكامه بفوقية مسيطرة حول ما يخص الألوان ، حتى وقع الاضطراب في جميع الأمور .ديكتاتورية واستغفال :
بادئ ذي بدء ألف هذا الديكتاتور الأول لجماعة الكانزفان مجلسًا مصغرًا ، جعله الوسيلة بين يديه للتحكم بجميع التبرعات الخيرية ، وبهذا لم يعد أحدٌ يتجاسر على مقاومته ، فكان أن قرر وأفتى بأن ملابس جماعة الكانزفان بيضاء اللون ، وقد صدقه العميان ، ولم يعد لهم من حديث ، إلا عن ملابسهم البيضاء الجميلة ، مع أن أيًا منهم لم يكن ملابسه من ذلك اللون الأبيض !!التمادي في الخداع :
وإذ راح جميع الناس يسخرون منهم ، ذهبوا يشكون أمرهم إلى الديكتاتور الذي أساء استقبالهم ، فتصرف معهم على أنهم من أصحاب البدع ، والمنطلقين مع الأفكار المغالية ، وأنهم من المارقين المرتين ، الذين يستسلمون لإغواء الآراء الضالة ، لدى من كانوا يبصرون ، وأنهم من الذين يتجاسرون على التشكك بمعصومية معلمهم ، وكان من نتائج هذه الخلافات نشوء حزبين .ثوب أحمر ديكتاتوري :
فعمد الديكتاتور بغية تهدئتهم ، إلى إصدار مرسوم ينص على أن ثيابهم حمراء اللون ، علمًا بأن تلك الثياب لم يكن بينها أي ثوب أحمر !! فأصبحوا عرضة للسخرية أكثر وأكثر وأكثر من ذي قبل ، هنا أصاب الديكتاتور هياج مسعور ، وكذلك كان حال باقي العميان : فتعاركوا طويلًا ، ولم يستتب الوفاق بينهم إلا بعد ما سمح لجميع الكانزفان العميان ، صرف النظر عن إعطاء أي رأي حاسم حول ملابسهم .استطراد قصير:
وإذ قرأ أحد الصم هذه الحكاية القصيرة ، اعترف بأن العميان قد أخطئوا في إعطاء رأي ، حول الألوان ، لكنه ظلّ ثابتًا لا يتنازل عن رأيه القائل ، بأن للصم وحدهم ، دون سواهم ، الحق في إعطاء الأحكام والآراء حول الموسيقى .