قصة أحمد الحفظي

منذ #قصص نجاح

أحمد بن عبد الخالق الحفظي رجل صاحب ألقاب يصعب حصرها في سطور قليلة ، فهو أحد رجال عائلة الحفظي والتي عُرف عنها أنها البيت الذي خرج منه أشهر وأفضل الرجال والعلماء والقضاة ، وعرف عن آل حفظي حبهم للعلوم بشتى أنواعها الشرعية والتاريخية والأدبية .وقد كتب عنهم في كتب التاريخ وكيف تركوا أثر كبير في مجالات العلم والشعر والاقتصاد والعمل ، واليوم سنتناول سيرة القاضي الشيخ والمؤرخ العسيري ، ابن أسرة حفظي الشيخ أحمد الحفظي .الميلاد :
ولد الشيخ في عام 1250هـ في قرية عثالف ، وقد نشأ في بيت والده الذي حرص على تعليمه بنفسه ، واشترك في عمليه تعليمه عدد من أفراد الأسرة من أهل العلم من أهمهم زين العابدين الحفظي وعبدالرحمن الحفظي وسليمان الحفظي .بعد أن شب أحمد الحفظي سافر لطلب العلم في أبي عريش ، والتي كانت تعد من مدن العلم والعلماء في هذا الوقت ، حيث درس هناك اللغة العربية ، وبعدها سافر إلى عسير ليدرس العلوم المختلفة من فقه وتاريخ ، ولم يكتفِ بذلك بل سافر إلى اليمن ودرس هناك التفسير ، ثم عاد إلى مكة المكرمة .الأسرة :
هو ابن لأحد أشهر الأسر التي اهتمت بالعلم والتي أخرجت للعالم عدد من العلماء الأجلاء ، منهم أحمد الحفظي الأول ومحمد بن أحمد الحفظي ، والذي كان له عدد من المؤلفات حول الأئمة من آل سعود ، وكذالك كان من أقاربه إبراهيم الزمزمي والذي كان من أبرز علماء الفقه واللغة العربية وعُرف عنه الزهد وحب الشعر .أغلب رجال هذه الأسرة كانوا من العلماء الأجلاء ، ولكن للأسف لم يكن هناك وعي كاف لجمع مؤلفاتهم ومدوناتهم العلمية وبالتالي ضاع منها جزء كبير .خطبة أمام السلطان :
في عام 1288هـ غزت الدولة العثمانية شبه الجزيرة وتمكنت من السيطرة على عدة مناطق في عسير ، وقد أسر في هذا الوقت 400 فرد من أعيان قبائل عسير ، وكان من بين هؤلاء أحمد الحفظي ، والذي عُوقب بالنفي إلى البلقان ، والتي كانت حينها بلدة نائية .في أحد الأيام أمر السلطان عبدالعزيز -السلطان العثماني في هذا الوقت – بإحضار الأسرى إلى قصره ، وهو ما استغله أحمد الحفظي بذكاء وبعد نظر ، حيث أنه قام بإلقاء خطبة في منتهى البلاغة ، وقد شهد الجميع لهذه الخطبة بالبلاغة والفصاحة حتى أنها تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية وتم الاستشهاد ببلاغتها في عدة بحوث .وساعد الحفظي في هذا أنه كان من الخطباء المفوهين ، كما أنه كان شاعر وأديب ، وهو ما جعله يُتقن ما يقول فأثر في السلطان بالغ الأثر ، والذي قرر أن يحرر الأسرى ويفرج عنهم ، ليس هذا فحسب بل جعلت هذه الخطبة لأحمد الحفظي مكانة مرموقة في الدولة العثمانية .ومنذ ذلك الحين أصبح مفتيًا في البلقان ، وأسس عدد من المدارس التي تعمل على أسس الفقه الشافعي ، وقد عاونه في هذا عدد كبير من أهالي عسير الذين استقروا هناك ، وقد تمت مكافأته وتكريمه بأعلى وسام في تاريخ الدولة العثمانية .المؤرخ والمصلح :
لم يكتف الشيخ أحمد الحفظي بأعماله في الإفتاء أو بانشغاله بالمدارس التي يشرف عليها ، بل قام كذالك بعدة بحوث فيما يخص تاريخ عسير ، وقد حرص في نفس الوقت على القيام بعدة رحلات علمية في مناطق الحجاز وعدن ونجد .وقد عُرف عنه رجاحة العقل واللسان مما جعله مصلحًا بين القبائل ، وكان أشهر القبائل التي ساعدهم على الصلح كل من قبيلة بني قيس وقبيلة بني زيد ، وكذالك قبيلة البناء وقبيلة آل عاصم ، وكان يتحاور معهم ويستشهد على أحاديثهم بالشعر ، وكان يصر على ألا يغادر قبل أن تحل المشكلة ويحدث الصلح .مما جعل له مكانة عظيمة لدى الجميع ، أيضًا قد كان قاضيًا عادلًا ويسعى للسلم دائمًا ، وقد عمل بالقضاء حين كان في عسير ، وحتى بعد أن أسر وتم تحريره في اسطنبول وتولى منصب الإفتاء تولى معه منصب قاضٍ تحديدًا في أدنه وأدرنه ، وقد أطلق عليه في هذا الوقت لقب خطيب الآستانة العثمانية .التدريس :
فوق كل مشاغله كان يعمل في التدريس ، فقد ترك كل مهامه وعمل في التدريس فقط لمدة ستة أعوام ، وكان يأخذ من المسجد الكبير في بلدة يانيه مقرًا له ، يُدرس فيه للطلبة الحديث والتفسير وعلوم القرآن ، وكان معلمًا متميزًا فقد حرص الجميع على حضور دروسه ، حتى الأعيان والعلماء .ومن أشهر من تتلمذ على يد الشيخ هو جودت باشا والذي عُين كوزير للعدل ، والذي قد سبق وأعطاه إجازة الشيخ الحفظي في دراسة الحديث ، وقد تم الاحتفاظ بهذه الإجازة في أرشيف رئاسة الوزراء في تركيا وما زالت باقية حتى اليوم .فكان الشيخ أحمد الحفظي شعلة نشاط فقد قام بتأليف عدد من الكتب الهامة ، في الكثير من المجالات أهمها التفسير وقد فسر القرآن الكريم في ثلاثة مجلدات ضخمة ، وأهديت إلى السلطان عبد الحميد الثاني ، وكذالك كتب في السياسة والشريعة وحقوق الراعي والرعية .ويعد الشيخ واحدًا من أبرز أبناء المملكة الذين برعوا في الأدب والعلم والشعر ، وكان له مؤلفات عظيمة التي اتسمت جميعها بالدقة الشديدة ، وهو ما دفع العديد من المثقفين والأدباء تقتفي أثره من أجل معرفة تاريخه ودراسته للاستفادة من علمه ومؤلفاته .وتوفي الشيخ أحمد الحفظي في عام 1317هـ وحزن عليه الجميع ، ويقال أن كافة القبائل والعشائر في عسير أسرعت بعد سماع خبر وفاته للصلاة عليه والعزاء فيه .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك