وُلد أبو نصر محمد الفارابي بمدينة فاراب في إقليم تركستان عام 874م ؛ قام بدراسة مجموعة من المواد العلمية والفلسفية والرياضية والأدبية ؛ كما درس بجانب لغته التركية بعض اللغات الأخرى ؛ مثل اليونانية والعربية والفارسية .درس الفارابي الطب على يد طبيب مسيحي يُدعى يوحنا بن حيلان ؛ كما قام لدراسة الفلسفة والمنطق على يد أمهر العلماء آنذاك ؛ انتقل إلى بغداد وهو في الخمسين من عمره بعد أن انتهى من دراساته التي عكف عليها في مسقط رأسه .لم يكتف الفارابي بما درسه في بلده ؛ بل استزاد من بحر العلم الموجود ببغداد ؛ فأتم دراساته في مختلف المجالات العلمية ؛ كما قام بدراسة العلوم اللسانية العربية ، كان يسعى للحصول على العلم من شتى البلدان ؛ فكان عنده الولع بالترحال والسفر ؛ حيث سافر من العراق إلى الشام في طلب العلم .تواصل في تلك الفترة مع سيف الدولة الحمداني ؛ فعاش تحت رعايته طالبًا للعلم ومؤلف ؛ كان ينتقل بين مدن الشام المختلفة وخاصة بين مدينتي حلب ودمشق ، وذُكر أنه سافر من دمشق إلى مصر ثم عاد مرة أخرى إلى دمشق .عاش الفارابي حياة مليئة بالتقشف والزهد ؛ فأبعد فكرة الزواج عن ذهنه إلى الأبد ؛ كما كان يحصل على أربعة دراهم فقط في يومه من سيف الدولة الحمداني ؛ كان ينفقها على طعامه واحتياجاتهم ؛ على الرغم من أنه كان يستطيع أن يحصل على كنوز كثيرة من سيف الدولة لأنه كان يُقدره ويحبه ؛ لكنه آثر تلك الحياة واعتكف علي طلب العلم .فضّل الفارابي حياة العزلة والوحدة والتفرغ للتشبع بصنوف العلم ؛ فكان يجد متعته في قضاء معظم وقته على شواطئ الأنهار وفي البساتين وسط الخضرة والزهور ؛ كي يخلو ذهنه من كل الضجيج ويصبح صافيًا البال من أجل تحصيل العلوم بدرجة امتياز .قام المستشرق الألماني ستينشندير بتخصيص مجلد ضخم الحجم من أجل مؤلفات الفارابي ؛ وذلك لأنها كانت كثيرة جدًا ؛ ولكن لم يصل منها إلى العرب سوى أربعون رسالة ؛ ولم تصل كلها باللغة العربية ؛ بل وصلت ست رسائل منهم مترجمة إلى اللغة العبرية ، ورسالتان مترجمتان إلى اللغة اللاتينية .تمت طباعة نصف الرسائل التي وصلت باللغة العربية في بيروت والقاهرة وليدن وحيد آباد ؛ ومن بين مؤلفاته في مجال الفلسفة كُتب الخلاء ؛ الزمان ؛ المكان ؛ الواحد والوحدة ؛ والجوهرة.. وغيرهم ، ومن أمثلة الكتب التي كتبها في المنطق كُتب الآثار العلوية ؛ والعلم الطبيعي ، ومن مؤلفاته في مجالي العلوم والتصنيف كُتب احصاء العلوم والتعريف بأغراضها ؛ طوبى ؛ القول الشرح ؛ وسفسطيا.. وغيرهم الكثير .كان لديه فكر يؤمن بوحدة الحقيقة ؛ حيث كان يرى أن الحقيقة واحدة لا تتجزأ ولا تصبح اثنتين ؛ وهو ما كشف عنه أيضًا كلا من أفلاطون وأرسطو ، وكان الفارابي يرى أن الفلسفة الحقيقية نبعت من خلال فكر أفلاطون وأرسطو ؛ رغم الاختلاف إلى الذي وُجد بينهم ؛ مما جعله يقوم بوضع كتاب في هذا الصدد أطلق عليه اسم “الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو” .تميز الفارابي بوضعه نظرية الوجود والتي ميز فيها بين نوعين وهما الموجود الواجب الوجود ، والموجود الممكن الوجود ؛ وذلك ليميز بين الخالق سبحانه وتعالى في صفاته التي لا يتسم بها سواه عزّوجل في وجوده دون غياب وبين المخلوقات التي تغيب وتنتهي .ذكر بعض المؤرخين أن الفارابي قد توفي في مدينة دمشق خلال شهر رجب عام 339 هجريًا ؛ وقد صلى عليه الملك سيف الدولة صلاة الجنازة ؛ وتم دفنه بدمشق ، وقد رحل الفارابي تاركًا إرثًا عظيمًا من العلم أرثى به المكتبة العربية والمكتبات الأجنبية أيضًا .