على عكس الكثيرين من ذوي البشرة البيضاء كانت نادين غورديمر متعصبة ولكن ليس ضد العرق الأسود ، بل ضد التمييز العنصري الذي يمارس في حقهم ، فقد قضت عمرها كله في محاربة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا ، وظهر ذلك جليًا من خلال رواياتها المتعددة والتي أهلتها لتكون واحدة من حائزي جائزة نوبل في الأدب ، لأنها على حد تعبير ألفريد نوبل كانت ذات فائدة عظيمة للبشرية .ميلادها ونشأتها :
ولدت نادين غورديمر في سبرنجز بجنوب أفريقيا لوالدين من المهاجرين اليهود ، كان والدها من لاتفيا ووالدتها من إنجلترا ، ظهرت موهبة الكتابة عند نادين في سن التاسعة ، ونشرت أول رواية لها عام 1937م وهي في عمر الخامسة عشر فقط ، ولكن تم حظر العديد من كتاباتها من قبل نظام الفصل العنصري ، والتي كانت تعاديه مباشرة في أعمالها .وقد تشربت غورديمير اهتمامها بقضايا الفصل العنصري من خلال والديها ، خاصة والدتها التي دفعها قلقها تجاه الفقر والتمييز الذي يواجهه السود إلى إنشاء دار حضانة للأطفال السود ، كما عانت غورديمر نفسها من القمع الحكومي وهي في سن المراهقة ، عندما داهمت الشرطة منزل عائلتها وصادرت منه بعض الرسائل والمذكرات من حجرة خادمتها السوداء .انتقلت إلى جوهانسبرج بجنوب أفريقيا عام 1948م وأكملت دراستها هناك ، كما نشت معظم أعمالها بالمجلات المحلية في جنوب إفريقيا ونشرت لها بعض القصص المبكرة عام 1949م ، وفي عام 1951م قبلت مجلة نيويوركر قصة غورديمر A Watcher of the Dead والتي جلبت لها جمهورًا كبيرًا بعدها استمرت في نشر القصص القصيرة بمجلة نيويوركر وغيرها من المجلات البارزة ، وفي عام 1953م نشرت أول رواية طويلة لها بعنوان The Lying Days والتي رسمت فيها شخصية فتاة بيضاء يتفتح وعيها على نظام الفصل العنصري .زواجها وحياتها الأسرية :
تزوجت أول مرة عام 1949م من جيرالد غافرون وهو طبيب أسنان محلي وأنجبت منه ابنه تدعى أوريان عام 1950م ، لكنها سرعان ما انفصلت عنه بعد ثلاث سنوات وتزوجت من أخر عام 1954م ، وهو تاجر أعمال فنية له مكانة كبيرة يدعى راينولد كاسيرر ، واستمر زواجها به حتى وفاته عام 2001م اثر اصابته بانتفاخ الرئة ، وقد أنجبت منه ابنًا يدعى هوغو عام 1955م ، وهو يعمل كمخرج أفلام في نيويورك .نشاطها وانضمامها لحركات مقاومة الفصل العنصري :
أدى حدوث مذبحة شاريفيل عام 1960م ، وإعتقال بيتي دو توا أفضل صديق لها إلى دخولها في حركة مناهضة للفصل العنصري ، وسرعان ما أصبحت بعدها ناشطة سياسية في جنوب أفريقيا ، وكانت قريبة من محاميي الدفاع عن نيلسون مانديلا خلال محاكمته عام 1962م وهما : برام فيشر وجورج بيزوس .استمرت غورديمر خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في العيش بجوهانسبرج ، ولكن هذا لم يمنعها من المغادرة بين الحين والأخر للتدريس ببعض الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية حتى استطاعت أن تحظى بالإعتراف الأدبي الدولي الذي أهلها للحصول على أول جائزة كبرى لها عام 1961م ، وطوال هذه الفترة كانت غورديمر تطالب من خلال كتاباتها بأن تعيد جنوب أفريقيا النظر في سياسة الفصل العنصري التي انتهجتها لفترة طويلة وتبحث عن سياسة أخرى بديلة .مما ترتب عليه قيام حكومة جنوب أفريقيا بحظر العديد من أعمالها وهم العالم البرجوازي المتأخر والذي تم حظره عام 1976م لمدة عشر سنوات ، ورواية عالم من الغرباء الذيتم حظره أيضًا لمدة اثنا عشر عامًا ، ولم يكن هذين العملين فقط قد تم حظرهما فهناك ابنة بيرجر التي صورت فيها ما حدث بمذبحة سويتو وشعب يوليو ولكن لم يتم حظرهما لفترة طويلة ، واستحقت غورديمر عن جدارة جائزة نوبل في الأدب عام 1991م لكتاباتها الملحمية التي نددت فيها بمعاملة السود .موقفها من مرض نقص المناعة :
ولم يقتصر نشاط غورديمر على النضال ضد الفصل العنصري فقط ، فقد كانت في بداية القرن الواحد والعشرون ناشطة في حركة فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) ، وذلك لعلاج الأزمة الواقعة بالصحة العامة في جنوب إفريقيا ، وفي عام 2004م قامت بجمع عشرين كاتب من الكتاب المهمين للمشاركة ببعض القصص القصيرة في كتاب Telling Tales ، وهو كتاب لجمع التبرعات من أجل مكافحة العدوى في جنوب أفريقيا .ومن الحوادث الغريبة التي وقعت في حياة غورديمر هو ما حدث لها عام 2006م حيث تعرض منزلها للهجوم من قبل بعض اللصوص ، الأمر الذي أثار الغضب في البلاد وجعل أصدقائها ينصحونها بترك المنزل والانتقال إلى مجمع مسور ولكنها رفضت وتمسكت بالمكوث في منزلها .رحيلها :
وفي عام 2014م رحلت نادين غورديمر بعد أن قضت تسعين عامًا من النضال والثبات في وجه العنصرية ، فقد كانت هذه المرأة خير مثال على نصرة الحق والدفاع عن حقوق الضعفاء الذين لا يمتون لها بصلة سوى أنهم بشر لهم الحق في الحياة بكرامة مثل بقية البشر ، وقد سخرت قلمها لخدمتهم فكانت رواياتها بمثابة المرأة العاكسة لكل ما يقع معهم من ظلم واستعباد لثبت غورديمر للعالم أن العرق بدعة صنعتها بعض الحكومات لخدمة أغراضها .