لم تمنع النشأة البسيطة للطفل إبراهيم العيدان أن يضع لنفسه موطئ قدم في الحياة ، فبعد وفاة والدايه وهو في سن التاسعة عانى كثيرًا من الفقر والوحدة ، ولأنه كان يتيم لم يتحمل إيذاء الصبية بالحي له ، مما اضطره للرحيل إلى الرياض ، وهناك عمل لدى أحد التجار كي يعول نفسه وبعد أعوام من العمل تمكن من الالتحاق بوظيفة مراسل في وزارة المياه والكهرباء .كان ينقل الملفات والأوراق بين الموظفين وأثناء عمله بتلك الوظيفة تمكن من الزواج وإنجاب خمسة أبناء كان من بينهم محمد العيدان الذي أحاطه والده بالعناية ، وكان دائمًا يقول له : “شد حيلك واعتمد على نفسك، ما ودي تكون مثل أبوك “مراسل” طالع نازل في خدمة الموظفين” .لكن محمد كان يقول دائمًا أنا أفتخر بكونك مراسل في خدمة الناس يا أبي ، أما والدتها فكان حلمها أن ترى ابنها إمامًا لأحد المساجد ، لأنه صوته في قراءة القرآن كان عذب يؤثر فيها حينما تستمع إليه أو يسمعها خطبةً من خطبه ، وحينما أتم محمد المرحلة الثانوية بدأ يبحث عن عمل يقتات منه إلى جانب الدراسة ؛ كي يساعد أسرته .فعمل سائقًا بالمنطقة الصناعية نظير أجر زهيد ومع ذلك استطاع اجتياز الثانوية العامة بنجاح والتحق بكلية اللغة العربية التابعة لجامعة الرياض ونال مكافأة من الجامعة لاجتهاده فتحسنت أحواله مع الأجر الذي كان يتقاضاه من عمله ، ولكن بمرور الوقت انخفض مستواه الدراسي فتوقفت مكافأة الجامعة .بعدها التحق بوظيفة حارس أمن في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات مقابل 1400 ريال ، كان يعمل فيهم محمد 8 ساعات ، وهناك تقابل لأول مرة مع مسئول وجهًا لوجه وهو المهندس محمد جميل ملا الذي كان يشغل منصب محافظ الهيئة آنذاك ، حيث كان يفتح له الباب السيارة ولكنه كان دائمًا يشكره ويطلب منه ألا يفتحها له تواضعًا منه .ولكن بعد أشهر من العمل بالهيئة تركها محمد لأنه لم يستطع التوفيق بين دراسته ومواعيد العمل بها ، والتحق بعدها بشركة دعاية وإعلان لكنه اكتشف بعد أشهر أنها كانت عملية نصب واحتيال ، وخرج منها أبيض اليدين لذا تدهورت أحواله من جديد .وبعد فترة عمل موظف استقبال لدى أحد ملاك الشقق المفروشة لقاء راتب شهري قدره 1200 ريال ، وكانت حواله حينها متدهورة لدرجة أن كان يضطر هو وعمال المبنى لاستكشاف ثلاجات النزلاء بعد مغادرتهم ، وأخذ الطعام منها بدلًا من رميه في الزبالة ، وعن تلك الفترة يقول محمد لقد أخذت لأول مرة بقشيش بحياتي وكان قدره 20 ريال ، كنت مترددًا قبل أخذه ولكن حينها لم يكن في محفظتي حتى ريالًا واحدًا لذا اعتبرتها هدية من السماء .ومن وظيفة الشقق إلى أخرى مثلها بالمستوصفات الطبية ، وظل محمد العيدان يتدرج من وظيفة هامشية إلى أخرى ، حتى فاز في مسابقة الجامعة للخطابة والإلقاء وكانت تلك خطوته الأولى نحو الإعلام ، حيث تقدم لاختبارات قناة المجد الفضائية وعمل فيها لفترة لكن طموحه لم يتوقف عن هذا ، بل حلم أن يصل لقناة لها وزنها السياسي والاقتصادي ، وهنا كانت وجهته ” العربية” .حيث اتجه العيدان إلى قناة العربية وطلب مقابلة مديرها بالمملكة خالد المطرفي ، ورغم قناعته بأنه لن يقبل إلا أنه نجح في المقابلة وتم اختياره مراسلًا يغطي الأحداث بالقناة ، فاستطاع العيدان أخيرًا أن يظهر على الشاشة ويختم تقاريره قائلًا : “الرياض محمد العيدان ، العربية ” ، وقد توج نجاحه التقرير الذي أذاعه بحفل جائزة الملك عبدالله للترجمة ، والذي كان يحضره الوزير المهندس محمد جميل ملا .وعن تلك اللحظة يقول محمد : لقد تمنيت أن أرتمي في أحضانه وأقول له أنا موظف الأمن الذي كان يفح لمعاليك باب المصعد والسيارة ، لقد صار محمد العيدان مراسلًا ينقل الأخبار والقضايا بين الناس مثل والده المراسل الذي كان ينقل الأوراق والملفات بين الموظفين حتى تنقضي مصالح المواطنين ، فكلاهما كان يعمل من أجل رفعة الدولة .