تعد معركة سهل موهاكز ، واحدة من المعارك القوية التي شهدها الجانبين العثماني والنمساوي ، حيث كان التحالف المقدس ، تحت قيادة النمسا ، واللذان تعاهدا على إبادة ، الكيان الإسلامي العثماني من المنطقة ككل .
في هذا الوقت ، كان العثمانيون مازالوا تحت تأثير ، عدد متلاحق من الهزائم المتوالية ، التي ألمّت بهم ، وفقدوا على إثرها بلاد المجر إلى الأبد ، وكانت من بين معاركهم التي هُزموا بها ، معركة سهل موهاكز.
الأحداث : تنقّلت الدولة العثمانية ، خلال تاريخها بين مراحل الضعف والقوة ، وكان للدولة العثمانية في كل مرة ، عددًا من الحلفاء والأعداء ، يظهر كل منهم مع كل مرحلة للدولة العثمانية ، وكان أكثرهم ظهورًا وبروزًا ، هم أعداء الإسلام ، الذين سعوا في كل مرة لجر الدولة العثمانية ، إلى حروب وكيد ، من شأنها أن تطيح بقوة الإسلام آنذاك .
فإذا كانت الدولة العثمانية ، في حالة قوة دفع أعدائهم الجزية ورضوا بالضعف ، بينما في حالة الضعف كان الجميع يتكالبون على الدولة ، من أجل القضاء عليها وعلى الوجود الإسلامي .
أثناء تولي السلطان محمد الرابع ، أمور وشؤون الدولة العثمانية ، كان يبلغ من العمر سبعة أعوام ، من عمره فقط ، وبالطبع حدث تدهور شديد في أمور الدولة ، فكيف لطفل في السابعة من عمره ، أن يتولي شؤون دولة كبرى مثلها ، فحدثت الفوضى والاضطرابات الداخلية ، فكانت هي الثغرة التي استغلها أعداء الإسلام آنذاك .
انطلق الأوربيون في محاولة لإسقاط الدولة العثمانية ، ومملكتها في أوروبا ، إلا أن الأمور تم السيطرة عليها ، في اللحظات الأخيرة تحت قيادة محمد كوبريلي ، الذي تولى شؤون الدولة في عام 1067هـ ، وكان يتصف بقوة الشخصية والكلمة الصائبة ، فاستطاع خلال فترة قياسية أن يقمع الثورات الداخلية كافة ، ويضبط الموازين ليستعيد كل المدن التي فقدتها الدولة العثمانية ، في أوربا حتى توفى في عام 1072هـ .
عقب وفاة كوبريلي ، تولى ابنه أحمد كوبريلي سلطة البلاد ، ليزيدها بسطة في النفوذ ، وبهاء في المجد وأضاف إليها الكثير ، وفي حكمه تراجعت قوة الصليبيون في أوروبا ، حتى توفى عام 1087هـ .
عقب وفاة أحمد كوبريلي ، تولى زوج شقيقته سلطة البلاد ، وكان يدعى قرة مصطفى ، إلا أنه كان مختلف الشخصية وليس لديه مبادئ ، فباع البلاد في مقابل حفنة من المصالح الشخصية ، وبعض الإقطاعيات والمناصب لنفسه ، حتى أنه قد تسبب في اندلاع حرب شرسة بين ، كل من الدولة العثمانية وروسيا ، انتهت بهزيمة العثمانيين وفقدان الدولة العثمانية للسلام مع القوقاز ، فيما مثّل أول خيوط تفكك الدولة العثمانية للأبد بعد ذلك.
كان الصليبيون قد استشعروا أن قرة مصطفى ، سوف يدفع المسلمين إلى فقدان كل سلطاتهم في أوروبا ، نتيجة اهتمامه الدائم بمصالحه الشخصية والخاصة ، على حساب الدولة .
أول من بدأت باستغلال أفعال قرة مصطفى ، كانت النمسا والتي استفزت الدولة العثمانية إلى حرب جديدة ، تيسر عليهم تجميع الصليبيين في أوروبا كافة ، ومحاربة المسلمين تحت ادعاء تجميع شمل الصليبيين وحمايتهم من الإسلام ومؤيديه .
تجددت الحروب مع النمسا مرة أخرى ، بحلول عام 1092هـ ، فبدأ قرة مصطفى معركته الشرسة مع النمسا ، بقوة وحش كاسر استطاع خلالها ، أن يستحوذ على أغلب الأراضي النمساوية في معركة هي الأقوى ، حقق خلالها نصر عظيم ومؤزّر ، إلا أنه للأسف لم يستطع الصمود في نجاحه حتى النهاية .
لم يكن قرة مصطفى سوى رجل يبحث عن مصالحه الشخصية ، وترتب على إهماله هذا ، عدم انتباهه لتغطية الجوانب المفتوحة بالأراضي التي اخترقها ، حتى بلغ فيينا ووضعها تحت حصار ، دام لمدة شهرين ولكن لم يكن النجاح حليفه أكثر من ذلك ، حيث تشتت تركيزه لفتح فيينا ، وتلقين النمسا درسًا قاسيًا .
لم يلبث الصليبيون أن أطلقوا صرخاتهم ، في كافة أنحاء أوربا لنجدتهم من أيدي المسلمين ، فانهالت الجيوش من كل أنحاء أوروبا لنجدتهم ، وإبادة المسلمين بقيادة الجيوش العثمانية ، مما دفع الجيش العثماني للتقهقر عائدين صوب بودا ، إلا أنهم لم يلاقوا سوى خيانة من ملك بولونيا سوبيسكي ، الذي نقض عهده مع المسلمين العثمانيين ، مطيعًا لأوامر البابا في أوروبا ، مما مثّل فرصة رائعة للتخلص من العثمانيين تمامًا ، فقتل منهم كل من استطاع الإمساك به ، حتى وصل هو الآخر صوب بودا .
عندما علم السلطان العثماني بما حدث لجيوشه ، غضب بشدة من قرة مصطفى وقرر تولية إبراهيم باشا ، لقيادة الجيوش عقب قتل قرة مصطفى ، إلا أن إبراهيم باشا لم يكن بالمستوى المطلوب منه ، من حيث الكفاءة في إدارة الأزمات.
إذا كان هذا وضع الدولة العثمانية آنذاك ، فلم تكن أوروبا بمثل هذا التشتت ، بل عمّها الفرح والسرور نتيجة تلك الانتصارات العظيمة ، على جيوش المسلمين ، مما دفعهم لعقد ما يسمى بالتحالف المقدس ، بين كل من روسيا وبولندا ، والنمسا ومالطة وبولونيا ، في تعاهد واضح وصريح للقضاء على الكيان العثماني ومن ثم ، الإسلام ككل في أوروبا تحديدًا .
قادت النمسا هذا التحالف المقدس ، ضد العثمانيين لتهاجم أولاً مدينة بست ، وتحصل على إقليمي ترانسيلفانيا وكرواتيا ، بينما هاجمت بولندا بقيادة سوبيسكي ، جنوب رومانيا وأغار رهبان مالطة على عدد من مدن ، شبه جزيرة المورة اليونانية .
بدأت حالة من السخط الشديد داخل الدولة العثمانية ، عندما علم الجميع بتلك الأخبار ، فقام السلطان بعزل إبراهيم باشا ، وولىّ بدلاً منه سليمان باشا ، الذي اختلف عنه في رؤيته للأمور وقدراته على التعامل ، إلا أن الدولة كانت في حالة يرثى لها ، فلم يستطيع أن يفعل سليمان باشا شيئًا ، حتى أنه قد حاول استعادة السيطرة على بودا ، ولكنه واجه هجومًا شرسًا من قبل التحالف المقدس ، وهزم هزيمة نكراء في عام 1097هـ .
في هذا الوقت ، قرر سليمان باشا أن ينتظر انتهاء فصل الشتاء ، يكون خلال تلك الفترة أعاد تنظيم جيوشه ، والسيطرة عليها من أجل استعادة كرامة الدولة العثمانية المفقودة ، ليهاجم التحالف المقدس عند منطقة سهل موهاكز عام 1098هـ ، وهو يقود أكثر من ستين ألف جنديًا ، ودرات بين الطرفين معركة طاحنة وهائلة ، انتهت بهزيمة الجيش العثماني نتيجة ما لحق بالجنود ، من هزيمة نفسية أولاً فلحقتها هزيمتهم على أرض الواقع ، جعلتهم يفقدون بلاد المجر إلى الأبد .