نتباين فيما بيننا ، بقدرات ومواهب مختلفة ومتميزة ، قد تجعل منا أبطالاً خارقين ، ينظر إلينا من حولنا بإعجاب شديد لا يضاهى ، وقد يجني البعض من تلك المواهب ، أموالاً طائلة إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح . في إحدى المزارع حدث جدالاً ، بين الشريكين بالمزرعة ، وتجادلا سوياً بينما يعمل العبيد من الزنوج بالمزرعة ، وكان الخلاف بينهما في عملية حسابية ، بشأن الأرباح والحصاد وخلافه ، وأعطى كل منهما للآخر رقماً ، وظلا يتجادلا حتى أتاهما أحد العبيد ، وكان رجلاً زنجياً عجوزاً ، يبدو عليه الشيب . واستأذن منهما أن كلاهما أخطأ ، وأن الرقم الصحيح هو ، وأعطاهما رقماً ، بدأ الضيف يسخر منه ، وسأله إذا ما كان متأكداً ، ولكن رد عليه صاحب المزرعة التي يعمل بها العجوز ، وأخبره أن نعم ، فالتفت إليه الرجل ، لينصرف العجوز ويجيبه صاحب المزرعة ، أن هذا هو توماس فولر ، الزنجي العبقري الذي يقوم بالعمليات الحسابية دون آلة حاسبة ، وطلب من شريكه إعادة حسابتهما ، وفوجيء الرجل أن الرقم الذي أعطاه لهما الزنجي ، هو الرقم الصحيح . توماس فولر : عرف باسم توماس فولر ، واشتهر باسم توم الزنجي ، ولم يعرف عنه أحد الكثير ، سوى ما رواه توماس عن نفسه ، حيث ولد عام 1710م في أحد بلدان جنوب أفريقيا ، وتم حمله على إحدى السفن الأمريكية ، التي كانت تستهدف نقل الأفارقة بالسفن ، صوب القارة الأميركية .
حيث حدث وأن ازدهرت تجارة العبيد الأفارقة بها ، في هذا الوقت مما شجع الأميركيين ، على البحث عن المزيد منهم ، حتى تحول الأمر إلى ما هو أشبه بالعصابات ، التي تختطف الأفارقة من بلدانهم ، ويتم ترحيلهم دون علمهم أو علم ذويهم إلى مكان آخر ، حيث يتم بيعهم واستثمارهم في الحقول والقيام بأعمال الزراعة ، وبعض الأعمال الحقيرة التي لا يمكن أن يقوم بها ، السيد الأبيض ! في هذا الوقت تم اختطاف توماس من ذويه ، وتم ترحيله إلى مكان آخر ، وهو يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً فقط ، وبعدها تم ترحيله إلى ولاية فيرجينيا ، حيث اشترته عائلة كوكس ، وهم عائلة أميّة لا يعرفون القراءة أو الكتابة ، وكان لديهم ست عشر عبداً بخلاف توماس . وكان توماس مصنف أميّاً أيضاً ، نظراً لأنه لا يعرف الانجليزية ، إلا أنه أبدى مهارة غريبة ، في حل المسائل الحسابية المعقدة ، ذهنياً فقط دون الاستعانة بآلة حاسبة ، وهذا الأمر لفت نظر السيد كوكس ، فجعله عبده المقرب ، حتى أنه قد زوجه من المرأة التي أحبها ، ليظل بالقرب منه . كان السيد كوكس طيباً ، مقارنة بالأسياد البيض الآخرين ، فألزم توماس بأمور مزرعته والتي كانت تبلغ 263 فداناً ، ولم يخذله توماس يوماً ، حيث قام بحساب كل ما له وما عليه ، دون أن يخطئ في أية مرة . وعقب حدوث الموقف الذي تم سرده بالأعلى ، وصل الخبر إلى أحد الأسياد في بنسلفانيا ، فأخذ الرجل فضولاً شديداً فاصطحب معه أحد رجاله ، وذهبا إلى توماس ليطرحا عليه عدداً من الأسئلة الحسابية ، وكان لدى الرجل الإجابة مسبقاً ، فأجابه الشيخ توماس الذي يبلغ من العمر ، سبعين عاماً دون أن يخطئ ، فتعجب الرجل من أمره . قيل أن توماس قد تعلم في موطنه الأصلي أفريقيا ، نظراً لأن الأمريكان كانوا لا يسمحون للعبيد ، بالحصول على العلم والمعرفة ، وتوفى توماس عام 1780م عن عمر ناهز ثمانين عاماً ، بعد حياة قضاها وهو يقوم بالأعمال الحسابية ، دون حاجة لآلة حاسبة ، ليكون بذلك من أشهر الشخصيات التاريخية ، التي برعت في الرياضيات دون تعلّم .