جاء في سورة الكهف قصة رجل يدعى بذي القرنين ، حيث كان هذا الرجل مؤمناً بالله و موحداً و موقناً بالبعث و الآخرة، مفطوراً على الصلاح متواضعاً لا يغره سعة ملكه و سلطانه
اتجه ذي القرنين الى المغرب مجاهداً فاتحاً ، و قد آتاه الله من كل شيء سبباً من الأتباع و الجنود و الإمكانات مما يحتاج إليه في توطيد ملكه ،إلى ان وصل إلى عين اختلط ماؤها ، و تراءى له ان الشمس تغرب فيها و تختفي وراءها ، و رأى أن ليس وراء هذه العين مكان و لا سبيل للجهاد و لكنه رأى عندها قوماً طغاة و كفرة و ظلمة ، سفكوا الدماء و عاثوا في الأرض الفساد ، فخيره الله حينها بين سبيلين: إما أن يذيقهم القتل جزاء طغيانهم و كفرهم ، أو أن يدعوهم للخير و يمهلهم
اختار ذو القرنين أن يمهلهم بدلاً من أن يقتلهم ، و قد جاء ذلك في الآيات الكريمة التالية من سورة الكهف
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88
و قد اقام ذو القرنين فيهم ، فقمع الظالم و نصر المظلوم منهم و أقام العدل و الإصلاح
اتجه ذو القرنين بعد ذلك إلى الشرق مجاهداً ،إلى أن بلغ غاية العمران في الأرض ، ووجد هناك أقواما تطلع عليهم الشمس ، و ليس لهم بيوت تأويهم أو تسترهم ، فأخذ يعلم فيهم و يبدد ظلمات جهلهم ، و جاء ذلك في الآيات الكريمة
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91
ترك ذو القرنين أولئك القوم و اتجه غازياً غلى الشمال ، إلى ان انتهى إلى بلاد بين الجبلين ، يسكنها قوم لا تعرف لغتهم ، إلا أنهم جاورا يأجوج و مأجوج و هم قوم مفسدون في الأرض ، فما ان رأى أولئك القوم يأجوج و مأجوج ، استغاثوا به و طلبوا منه أن يقيم لهم سداً يعزلهم عن يأجوج و مأجوج الأشرار
استجاب ذو القرنين لطلبهم و بنى بمعونتهم سداً مسلحاً بالحديد بين الجبلين و أحاطه بالفحم و الخشب و صفحه بذائب النحاس , لم تتمكن يأجوج و مأجوج من اختراق السد و منع أذاهم عن جيرانهم ، فقال الله تعالى في وصف ذلك ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98