الجاسوسية هو عالم كبير يضج بالمخاطر والمغامرات التي يدونها التاريخ لتصبح علامة مميزة في حياة الجاسوس ، الذي قد يكون عارًا على بلاده إذا تجسس لصالح الأعداء ، وربما يكون علامة تاريخية فارقة إذا تجسس لصالح بلاده ، ومن أشهر قصص الجاسوسية المزدوجة التي حملت الصفتين معًا هي قصة الجاسوس الكوري الذي ذهب إلى الشمال بارك تشيو سيو Park Chae Seo
البداية : بارك تشيو سيو هو جاسوس من كوريا الجنوبية ، وقد تم زرعه وسط كوريا الشمالية ليكون هو مصدر المعلومات السرية ، حيث بدأت مسيرته خلال عام 1990م في الاستخبارات العسكرية ، وقد ربطته علاقة صداقة مع فيزيائي نووي صيني من أصل كوري ، والذي كشف له عن تزود كوريا الشمالية بسلاحين نوويين
التحق بارك فيما بعد بالعمل في أجهزة الاستخبارات المعروفة باسم “وكالة التخطيط للأمن القومي” ، وذلك خلال عام 1995م ، وقد حصل على لقب “الزهرة السوداء” ، حيث نجح في الدخول إلى عالم كوريا الشمالية حيث أنه استقر في بكين من أجل العمل في شركة كورية جنوبية التي تخصصت في استيراد بعض المنتجات ، فكان يوهم رجال السلطة بأنها منتجات خاصة بكوريا الشمالية تم إعفائها من الضرائب ، وهو ما جعله يقيم علاقات قوية مع كوريا الشمالية
تمكن بارك من نسج علاقات قوية مع كوادر نظام كوريا الشمالية ، حيث كانت بدايته من خلال تقمص دور جندي خائب بكوريا الجنوبية قد أصبح رجل أعمال يعمل في تصوير إعلانات الأفلام عند الحدود بين الدولتين ، كما كان يقوم بدفع الكثير من الرشاوي والهدايا ، مما جعله ينجح في مقابلة رئيس كوريا الشمالية الدكتاتور كيم يونغ أون Kim Jong Un خلال عام 1997م في بيت الضيافة ببيونغ يانغ Pyongyang ، وقد استطاع خلال هذا اللقاء الذي استمر لمدة نصف ساعة أن يقوم بتسجيل الحوار الذي دار بينهما من خلال جهاز كان يخفيه بداخله
وقد ذكر بارك أن رئيس كوريا الشمالية أبدى اهتمامه بانتخابات الرئاسة لكوريا الجنوبية ، والتي عادةً ما تتمخض منها بعض التوترات العسكرية ، وهو الأمر الذي يسمح للمحافظين أن يقوموا بحشد أصوات من أجل الناخبين المترديين ، وتُعرف هذه الظاهرة باسم ريح الشمال ، وقد علم بارك خلال عام 1997م عن طريق بعض مسئولي كوريا الشمالية أن هناك هجوم مسلح تم تدبيره لصالح أحد المرشحين المحافظين ، كما أنه رأى أفراد من كوريا الشمالية يعدون رزم من الأموال التي حصلوا عليها من كوريا الجنوبية من أجل تنفيذ هجمات ضد النظام
اعتقال سياسي : قام بارك بكشف المخطط إلى الاستخبارات بكوريا الجنوبية ، وهو ما جعل المرشح المعارض كيم جونغ Kim Jong يقوم بفضح ذلك المخطط أمام الجميع ، حتى نجح في إحباطه والفوز في تلك الانتخابات بفارق بسيط ، وعلى إثر تلك الحادثة تم تجميد عمل بارك الذي عاد إلى الصين ، حيث كان يقوم بقضاء معظم وقته في ممارسة لعبة الغولف
وبعد أن عاد المحافظين إلى الحكم ؛ تمت إدانة بارك خلال عام 2010م لأنه قام بتمرير بعض المعلومات السرية إلى الشمال ، وقد برر فعلته هذه بأنه كان يحاول كسب ثقة الشماليين من خلال بعض المعلومات التي يزودهم بها ، وتم اعتقاله في حبس انفرادي دام إلى ستة أعوام ، ولازالت التسجيلات التي تمكن بارك من الحصول عليها موجودة في أمان بإحدى البلاد الأجنبية
الجاسوس الذي ذهب إلى الشمال : لقد كشف بارك في كتاب له عن بعض العمليات السرية التي تقوم بها كوريا الجنوبية ضد الشيوعيين الموجودين بالشمال ، كما كشف عن مغامراته أثناء رحلة الجاسوسية في الشمال ، وقد أطلق على هذا الكتاب اسم “الجاسوس الذي ذهب إلى الشمال The spy gone North” ، وقد تم تحويل هذا الكتاب إلى فيلم كوري أثار ضجيجًا هائلًا بعد صدوره ، وقد أصبح كتاب بارك من الكتب الأكثر مبيعًا حول العالم ، كما جذب الفيلم ملايين المشاهدين في بدايات افتتاحه