الحكماء هم من يترفعون عن الإساءة لغيرهم والإنتقام منهم لأنهم يعرفون جيدا أن الدنيا وخالق
الكون سوف ينوب عنهم فى الإنتقام لهم ممن أذوهم لأن المكر السىء لا يحيق إلا بأهــــله ولأن الله جل شأنه لا يتسامح مع من يرتكبون جريمة الإضرار بالآخرين بغير أن تطرف عيونهم
أو تهتز لهم شعرة ! فلماذا ننتقم نحن ممن ظلمونا
فلو صبرنا قليلا لرأينا بأعيننا إنتقام
العزيز الجبار منهم بلا أى جهد من جانبنا ولتجسد امامنا جزاء الصابرين واقعاً
حياً ملموساً !
وهذا ما عايشته بنفسى ورأيته رؤى العين فى قصة صاحبي عمر الذى كان شاباً في السادسة والثلاثين من عمره
تخرج فى إحدى الكليات النظرية منذ أكثر من أربعين عاماً وكان والده
يعمل مفتشاً بالتعليم
نشأ عمر مع أسرته وأخوته فى إحدى مدن أقاليم مصر وحين إلتحق
بجامعة عين شمس جاء به أبيه إلى القاهرة واستأجر له شقة صغيرة للغاية كى يقيم فيهـــــــا
لمتابعة دراسته ودفع له إيجارها وقال له حينها عليك يا ولدى مواجهة الحياة والإعتماد على
نفسك ومرت الأيام سريعاً سريعاً كان عمر خلالها يتحمل كل شىء من أجل دراسته وواجه
قسوة الحياة بصبر وإيمان خاصة بعد أن توفى والده وأصبح مسئولا عن أسرته فالتحق بعمل أثناء الدراسة وكان يرسل العائد الذى يحصل عليه من عمله كله لأسرته لمساعدة أخواته في
التعليم كان عمر يبتكر وسائل وسائل عجيبة لمواجهة الجوع الذى ينهشه نهشاً فى غربته
فكان يشتري البطاطا بكميات كبيرة وكان ثمنها فى ذلك الوقت زهيدا لا يزيد عن خمسة قروش للكيلو ويقوم بتخزينها فى البيت فتكون هى طعامه الوحيد حين تنفذ نقوده! أى والله فيقوم
بطهوها وأحيان كان يأكلها نيئــــــــــــة!!!!
كافح عمر كفاحا مريرا حتى انتهت سنوات دراسته وعمل بإحدى الهيئات العامه ورفض مشاركة إخوته فى ميراثهم الشرعى من والدهم
آثر أن يعطيهم الميراث كله بالتساوي
بينهم وفى عمله التقى بسوسن فتاة جذابة من عائلة ثرية جدا وكان الإعجاب المتبادل
بينهم وتعاهدا على الحب الطاهر والزواج عندما تتحسن أحواله المادية وتقدم عمر بالفعل لخطبة سوسن وتمت الخطوبة فى جو عائلى بسيط ولاحظ عمر بعد فترة من
الخطوبة أن مشاعر فتاته تغيرت نحوه وكانت تجربة مريرة جرحت شعوره وأحاسيسه وتمرالأيام وعمر يعمل ليل نهار كى يبنى مستقبله وبعد فترة طويلة من الزمن يتعرف على فتاة طيبة عن طريق سيدة فاضلة من زميلات العمل تلك
هى خلود ويتم التعارف والتفاهم على كلى شىء حتى أن إجراءات الزواج تمت فى
سهولة ويسر ويفتح الله على عمر وترسله الهيئة التى يعمل بها فى بعثة للخارج
بإحدى الدول الأوربية ويصطحب معه زوجته خلود فى غربته وكانت نعم الزوجة الوفية المخلصة حتى أنه صارحنى يوما قائلا :
تصور يا أخي أن الغربة اكملت اكتشافي لكل الجوانب الخيرة فى زوجتي خلود وجدت
نفسي في ليالي الشتاء الباردة هناك أحكي لها كل شىء عني وعن كفاحي وعن أيام
الحرمان التى عشتها فتسيل دموعها إشفاقاً ويزداد إعجابى بها ). وبالمصادفة البحتة يعرف عمر من أحد أصدقائه المصريين فى الغربة أن زميلته
السابقة سوسن تزوجت رجلا ثريا وتعيش معه فى نفس المدينة التي يعمل بها عمر ويخبره أن خلافاتها مع زوجها ومشاجراتها وصلت إلى حد إبلاغ الشرطة ضده في
إحدى المرات بتهمة إنه ضربها بالقلم وتلك مصيبة كبرى فى الدول الأوربية!!!
وكيف تدخل السفير شخصياً كي يحول دون حبسه وأن السفارة طلبت من الهيئة التى يعملان بها فى مصر إعادتهما إلى مصر بعد أن كثرت فضائحهما!!!
هنا يحمد عمر ربه عز وجل إنه عوض عليه عوض الصابرين وأبدله بتلك الفتاة
المتلونة زوجة صالحة تخشى الله فيه ويعيشان معاً فى جو يسوده الحب والمودة
والرحمة .
قلت لصاحبي عمر: بعيدو النظر يا صديقي هم من لايحزنون طويلا على شىء
فاتهم ذلك أنهم يتذكرون دائما كلمة الإمام أحمد بن حنبل لمن سأله النصيحة: إذا كان كل شىء بقضائه وقدره فلماذا الحزن !! فقال له إمام الصابرين نعم لماذا الحزن
واليأس من رحمة الله
لماذا القنوط من رحمة الله والحياة حولنا تتجدد كل يوم وما
فات قد فات والمؤمل غيب كما يقولون!!
إننا نتصور أحيانا بعقولنا القاصرة إننا نختار لأنفسنا حياتناً وفقاً لحساباتنا وتدبيرنا فقط! حتى نرى البعض منا يجهد نفسه فى التحسب والتفكير حتى لا نشقي بمن
إخترناه فى المستقبل وننسى أن المستقبل فى النهاية بيد الله وحده جل فى علاه
وأن مبالغتنا فى ذلك لن يغير مما كتب لنا فى اللوح المحفوظ شيئا . فهنيئا لك يا عمر زوجتك الصالحة خلود
هنيئا لك ياعمر إيمانك القوي بقضاء الله
وبأن المولي جل فى علاه لطيف بعباده هنيئاً لك ياعمر جزاء الصابرين .
العبرة فى قصتك يا صاحبي تجسدت واقعاً حياً ملموساً نعايشه جميعاً فى قول المولى
عزوجل:
الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم
26/ سورة النور.
صـــــــــــــــــدق الله العظيم