تغلغلت أشعة الشمس في التراب فانتعشت بذرة رطبة ترقد في جوف الأرض وخرجت إلى سطحها نبتة صغير خضراء .
علا صوت نبتة: آه ما أجمل أن تخرج النبتة من تحت الأرض إلى ما فوق الأرض. وغرّدت العصافير فرحة.
من هذا الذي يغرّد هنا ؟ قالت النبتة.
هذا أنا العصفور. ما بالك يا نبتة تتكلمين وحدك؟
أنت العصفور؟
نعم.
شرّفت يا عصفور. سألتني لماذا أتكلم وحدي. السبب يا عصفور هو أني مسرورة جدا. فلقد خرجت لتوي من تحت سطح الأرض ووجدت أشعة الشمس منعشة وكل شيء فوق الأرض جميل هنا .
هو، هو، ماذا تقولين؟ لو تشاهدين ما أشاهده من الدنيا وأنا أحلق في الجو وأطير من مكان إلى مكان ؟
أحقّا ما تقول يا عصفور؟
صدقيني يا نبتة .
احك لي. ماذا رأيت؟
رأيت بيوتا وأشخاصاً وأشجاراً وسيارات وأولادا وتلاميذ وحيوانات.. آه ماذا أقول يا نبتة؟ إنها دنيا عظيمة أراها كل مرة أطير من مكان إلى آخر.
قالت حبّذا لو بإمكاني أن أطير مثلك. اسمع يا عصفور.
ماذا يا نبتة .
لماذا لا تنقلني من مكاني وتحملني بمنقارك وتطير بي لأرى الحياة كما تراها أنت؟
لا، لا لا أستطيع أن أفعل ذلك .
لماذا؟
أولا أنا لا أقوى على حملك، وثانيا لا أقوى على اقتلاعك من مكانك .
آه ! ليتك تقدر يا عصفور.
وتطلعت النبتة حولها وأخافتها المسافات المترامية الملونة، وهزّ أوراقها شيء لم تره ولكنها أحسّت به يمر فوقها.
قالت: آه ما هذا الذي يحركني؟
هذا أنا. أنا النسمة .
ما أنعشك يا نسمة!
أنا أمر في كل مكان وأنعش الأجواء في كل مكان أمر به.
تمرين في كل مكان يا نسمة؟
نعم يا عزيزتي.
إذا كان الأمر كذلك فأرجوك أن تنقليني معك.
كيف أنقلك؟ أنا خفيفة، لا أستطيع أن أحملك.
آه ليتني أستطيع أن أتحرك وأسير من مكاني لأتفرّج على العالم.
كانت طموحات النبتة كبيرة، ولأنها لم تتمكن من تحقيقها فراحت تبكي .
من يبكي على ضفتي؟ ها !
هذه أنا أنا النبتة
من أنت؟
أنا النهر يا عزيزتي. إنما أخبريني لماذا تبكين؟
أبكي لسوء حظي يا نهر.
لماذا؟
حكى لي العصفور عن الدنيا التي يطير فوقها فطلبت منه أن يقتلعني ويحملني معه لأتفرّج على العالم فرفض.
وكذلك فعلت النسمة، وحجتهما أنهما لا يقويان على حملي.
ضحك النهر: ها ها ها، أحقا تريدين أن تتفرجي على العالم؟
طبعا يا نهر .. وبكت.
لا تبكي فأنا أحكي لك عنها
أنا أجتاز الحقول وأجاور الجبال وتلامس مياهي جوف البحر في كل يوم .
أرجوك يا نهر إن تأخذني معك، سأكون لك شاكرة.
قال النهر: ولكن الأرض تتشبث بك، فأنت بنت الأرض أيها النبتة. حملتك في جوفها وغذتك وما زالت تغذيك.
ولكنك أنت ترحل، والعصفور يرحل، فلماذا أبقى أنا هنا ثابتة في الأرض؟
أنت مخطئة أيتها النبتة ! فالعصفور يعود آخر كل يوم إلى عشه، وأنا لا أغادر ارضي، وأسقيها باستمرار. فمائي دائم التدفق ومجراي باق أبدا، ومهما بعدت فإن مياهي تعود محمولة فوق الغيوم وتغذي الينابيع والأرض من جديد.
أرجوك ، خذني معك يا نهر!
آه لا .. لا .. لا يا نبتة. ابقي حيث أنت في أرضك.
استمرت النبتة تبكي وتبكي من أعماق صدرها. ومر أرنب بقربها. فاستوقفه بكاؤها .
هه
ما بك يا نبتة؟ لماذا تبكين ؟
من أنت أولا لأقول لك ما بي .
أنا الأرنب.
أجابت النبتة : أنا أبكي لأني أريد أن أترك الأرض وأرحل لأتفرج على العالم. أرجوك ساعدني يا أرنب.!
كيف أساعدك يا نبتة؟
اقتلعني من مكاني، أرجوك. واقذف بي في النهر، فيحملني إلى حيث أستطيع أن أرى العالم.
حسنا، إذا كان هذا مرادك، فليكن ما تريدين. هه ، ها قد اقتلعتك .
شكرا لك يا أرنب.
اقتلع الأرنب النبتة كما يقتلع جزرة من الأرض ورمى بها في النهر.
فرحت النبتة وصرخت: أنقلني جيدا يا نهر! هيا أنقلني!
ضحك النهر وقال: أنا قد حملتك فوق مياهي، فتمتعي بمشاهدة هذه المناظر الجميلة!
كان الفرح يمتلك النبتة وهي تشاهد الغيوم والحقول والأزهار والعصافير والجبال، ولكنها شعرت بعد مدة ببرودة الماء تسري في كل أجزائها، وافتقدت دفء الأرض.
أرجوك يا نهر أرجوك ..!
ماذا تريدين؟
أرجوك أن تلقيني على الضفة. أنا بردانة!
حسنا، حسنا، اذهبي إلى الضفة .
شكرا يا نهر وصلت. ولكن يا نهر، أخبرني لماذا لا أقوى على النهوض على ساقي؟
لأن الأرض لا تمسك بك، قال النهر.
أذن فأنا لن أستطيع الوقوف؟ أشعر أن أوراقي بدأت تذبل. أرجوك يا نهر
ماذا تريدين؟
كنت حمقاء حين تركت أرضي. وأنا أطلب منك يا نهري العزيز غدا حين تعود إلى مكاني أرجوك ألا تدع أخواتي النبتات تغادر أرضها .
أن لا حياة لنا من دون الأرض، آه ! لن أنسى ولن أدع أحدا ينسى أن لا حياة للمخلوقات إذا كانت بعيدة عن أرضها .