فلما انتهى الملك والفيلسوف إلى باب الحمامة والثعلب ومالك الحزين سكت الملك وقال الفيلسوف: عشت أيها الملك ألف سنة وملّكت الأقاليم السبعة وأعيطت من كل شيء سبباً وبلغة منك في السرور برعيّتك ومنهم قرة عين بك ومساعة من القضاء والقدر، فإنك قد كمل فيك الحلم وذكا منك العقل والحفظ وتم فيك البأس والجود، واتفق منك العقل والقول والنية، ولا يوجد في رأيك نقص ولا في قولك سقط ولا في فعلك عيب، وجمعت النجدة واللين فلا توجد جباناً عند اللقاء ولا ضيّق الصدر بما يوثق بك من الأشياء. وقد شرحت لك الأمور ولخصت لك جواب ما سألتني عنه منها. واجتهدت لك في رأيي ونظري ومبلغ فطنتي التماس قضاء حاجتك. فاقض حقي بحسن النية بإعمال فكرك وكرم طبيعتك وعقلك فيما وصفت لك. إنه ليس الآمر بالخير بأسعد به من المطيع له فيه. ولا الناصح باولى بالنصيحة من المنصوح له بها.
ولا المتعلم بأبعد من العلم ممن يعلمه. ومن تدبر هذا الكتاب بعقله وأعمل فيه رأيه بأصالة من فكرته كان قمناً للمراتب العظام والأمور الجسام مع مساعدة القدر ووقته إذا حضر فلا يسأم أمراً ويكف عن النظر فيه والتدبر له.
والله يوفقك أيها الملك ويسددك ويصلح منك ما كان فاسداً ويسكن من غرب حدتك ما كان حاداً، وتسليم الرحمة على أرواحك وأرواح آبائك الطاهرين الماضين معشر أهل بيت العقل والأدب والفضل والجود والكرم.