قال الغراب: كان لي جار من العصافير في سفح جبلٍ، وحجره قريب من الشّجرة التي فيها وِكرِي. فكان يكثر التقاؤنا ومواصلتنا. ثم غاب وطالت غيبته حتّى ظننتُ أنّه قد هلك.
فجاءت أرنب إلى مكان العصفور ولبثت في ذلك المكان زماناً، ثم إنّ العصفور رجع إلى مكانه. فلمّا وجد الأرنب فيه، قال: هذا مكاني فانطلقي عنه.
قالت الأرنب: المَسكن في يديّ وأنتَ المُدّعي، فإنّ كان لك حق فاشتك عليّ.
قال العصفور: المكان مكاني، ويمكنني إثبات ذلك.
قالت الأرنب: نحتاجّ إلى قاضي.
قال العصفور: إنّ قريباً منا على شاطئ البحر قطاً مُتعبّداً يُصلّي النّهار كلّه، لا يؤذي دابةً ولا يريق دماً ويصوم الدّهر ولا يفطر، عيشه من العشب وورق الأشجار. فاذهبي اللّيلة إليه لأحاكمك.
قالت الأرنب: نعم..
فانطلقا كلاهما وتبعتهما لأنظر إلى الصّوام العابد الزّاهد وإلى قضائه بينهما. فلمّا صارا إلى القط، قصّا عليه قصتهما.
فقال القطّ: أدرَكَني الكبر وضعف البصر وثقلت أذناي فما أكاد أن أسمع، فادنوا مني فأسمعاني عن قرب.
فأعادا القصة، فقال: قد فهمتُ ما قصصتما وأنا أبدأ بنصحكما قبل القضية. فلا تطلبا إلاّ الحق. فإنّ طالب الحق هو الذي يفلح وليس لمخلوقٍ من دنياه شيء إلاّ عمل صالح قدّمه. وصار يقصّ عليهما القصص ويقدم لهما من النصائح حتى استأنسا به وأخذا يدنوان منه، ولمّا صارا قريبين منه وَثَب عليهما فضمهما إليه فقتلهما كليهما.