جرى أطفال الجزيرة إلى الشاطئ الصخري ، كان نابليون يجري معهم ، ولكن شارييه ذو الشعر الأحمر هتف به : إلى أين أنت ذاهب يا نابليون ، أنت قصير القامة ولا تصلح لأن تكون جندياً ولكن نابليون نظر إليه في غيظ وهو يهتف : بل سوف أصبح جندياً ، وسوف أكون أيضَا قائد عليك .
وصول السفينة الفرنسية : وواصلوا الجري وبذل نابليون جهداً مضاعفاً حتى سبقهم جميعاً إلى شاطئ الجزيرة ، كانت السفينة الكبيرة القادمة من فرنسا ، قد وصلت إلى شاطئ جزيرة كورسيكا ، كانت تأتي في هذا الميعاد من كل عام ، لكي تختار الأطفال الصالحين للتجنيد وتحملهم إلى فرنسا ، حيث يتعلمون الفنون العسكرية ويصبحون جنوداً في خدمة الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا .
سكان الجزيرة : كانت الجزيرة فقيرة ، ولم يكن البحر سخياً مع أهلها من الصيادين ، كان يعطيهم أحياناً ، ويثور عليهم أحياناً فيغرق سفنهم القديمة ، لذلك فقد كان التجنيد في الجيش فرصة لهؤلاء الأطفال ، من أجل راتب أفضل وحياة مريحة في فرنسا ، وكانت ثياب الجندية الملونة تملؤهم بالزهو والكبرياء .
حلم التجنيد في الجيش الفرنسي : وعندما وصل الأطفال وجدوا الجنود وقد اختاروا تلاً مرتفعاً بجانب الشاطئ ، ونصبوا عدة خيام فوقها العلم الفرنسي ، وكان بعض الآباء والصيادين يقفون يراقبون عملية الاختيار ، وكل أب منهم يتمني أن يقع الاختيار على ابنه .
الاختيار : أمر الضابط الأطفال أن يقفوا في صفين مستقيمين ، ووقف نابليون في الصف الثاني ، وطلب الضابط من كل طفل أن يذكر اسمه وتعالت الأصوات : سيمون … راؤؤل … فرانس … نابليون … شارييه … جان … وأخذ الضابط يسير بمهل ، ويتأملهم ، طول قامتهم ، لون بشرتهم ، هل صحتهم جيدة ، هل يتحملون تدريب الجندية الشاق ، وأخرج الضابط من الصف العديد من الأطفال ، كانوا شاحبي الوجوه ، يعانون من الضعف والهزال ، ولكنه لم يخرج نابليون .
لم يلاحظ أن قامة نابليون أقصر من الآخرين ، كان في مستواهم وربما أعلى قليلاً ، وأمر الضابط أحد الجنود أن يسجل أسماء هؤلاء الأطفال الذين وقع الاختيار عليهم ، وفي هذه اللحظة تقدم شارييه بشعره الأحمر ولكز نابليون بقوة فألقاه على الأرض وضحك كل الأطفال ، فهتف الضابط : سكوت كفى ضحكاً الخديعة : وصمت الأطفال على الفور ، واستدار الضابط فلمح نابليون الواقع على الأرض ، فأمره بالنهوض في صوت صارم : انهض أيها الغلام عندما تصبح جندياً ، لا يجب أن تقع بدون سبب وقال نابليون وهو ينظر ناحية شارييه بغيظ :آسف لقد تعثرت يا سيدي ، وانتظر الضابط حتى اعتدل الغلام ولكن ما هذا ؟إن قامته أقصر من الآخرين لحد واضح ، كيف لم يلاحظ هذا منذ البداية ! لقد وقف في الصف ونطق اسمه وكان في مثل قامة الآخرين قال الضابط : لقد كنت طويل القامة ماذا حدث ؟ وهتف نابليون بارتباك : لا شيء يا سيدي إنني طويل القامة بالفعل كشف الخديعة : وضحك الأطفال وفكر الضابط في نفسه لابد أن هناك خدعة ما ودخل الضابط بين الصفين فوجد حجراً عالياً ، كان نابليون يحاول الوقوف عليه ، وهتف الضابط : آه … هذا هو السبب إذن !! ونزل نابليون من فوق الحجر بارتباك وود في هذه اللحظة أن يقتل شارييه .
وقال : عفواً يا سيدي ولكنني متشوق أن أكون جندياً قال الضابط في حزم : لا يليق بالجندي أن يكون غشاشاً مزوراً ، فقال نابليون : أرجوك يا سيدي لا تجعل قامتي القصيرة تقف عائقاً أمامي ، إنني أجيد العدو ، والمصارعة ، والملاكمة ، وأجيد الرماية بصفة خاصة ، إنني لا أخطئ الهدف أبداً ، ويمكن أن أكون جندياً ممتازاً من جنود المدفعية .
اختبار الرماية العملي : قال الضابط : لكن قامتك سوف تكون قصيرة يا بني قال نابليون : سوف أنمو يا سيدي ، قال الضابط : عليك إذن أن تنتظر حتى العام القادم وشعر نابليون بالحزن ، ولكنه لم يكن بالطفل الذي ييأس بسهولة ، عاد يقول للضابط : سوق أقوم باختبار عملي أمامك يا سيدي ، لعلك تقتنع بمهاراتي في الرماية ، انظر إلى أسفل التل ، هناك حيث يوجد القارب الذي نقل الجنود ، من السفينة إنني أستطيع أن أصيبه من هنا .
نظر الضابط إلى حيث يوجد القارب ،كان بعيداً جداً ، لا يظهر منه غير العلم المرفرف عليه ، وقال الضابط في سخرية : مستحيل إنه بعيد جداً ، ولا أستطيع أن أراه إلا بصعوبة ، قال نابليون : يمكنني أن أصيبه بأحد الأحجار كلا سوف أصيب الدفة أجل الدفة على وجه التحديد .
سخرية واشفاق : وضحك الضابط ، وضحك بقية الجنود والأطفال على إصرار نابليون ، وأخرج الغلام مقلاعاً صغيراً من جيبه وربط فيه الحجر وأخذ يدور به في الهواء ، عدة دورات ثم قذف به بأقصى قوته إلى أسفل التل .
ونظر الظابط في أثره فلم يعرف إن كان قد أصاب القارب أم لا ، وعاد ينظر إلى نابليون في إشفاق وهو يقول : اسمع أيها الفتى الجندية تختلف عن ألعاب الأطفال ، نحن هناك لا نستعمل المقالع ولا الأحجار ولكن نستعمل السيوف والمدافع ، لماذا لا تذهب وتبحث عن مهنة أخرى غير الجندية .
خزلان وحزن : وأحنى نابليون رأسه وجاهد حتى لا تنزل الدموع من عينيه ، وترك الساحة ، والجنود والأطفال الذين تم اختيارهم ، وانسحب وحيداً ، لقد فشل ، ولن ينجح أبداً في أن يكون جندياً ، لن يعود إلى القرية ولن يخبر أمه بهزيمته ، سوف يذهب إلى التلال البعيدة ، ويقذف البحر بالأحجار حتى يهدأ غضبه .
المفاجأة المذهلة : وجمع الجنود والخيام ، وأنزلوا العلم ، وطلبوا من الأطفال الذين وقع الاختيار عليهم ،أن يذهبوا ويحضروا أمتعتهم الشخصية ، استعداداً للسفر في الصباح المبكر إلى فرنسا ، ثم اصطف الجنود في صف واحد وبدأوا يهبطون التل في طريقهم إلى السفينة ، لقضاء الليل فيها ، وكان الضابط هو أول من قفز إلى القارب ما هذا ؟ لقد وجد حجراً !! أجل إنه الحجر الذي ألقاه الطفل القصير القامة ، مستحيل أن يصيب الهدف من هذه المسافة البعيدة ، لابد أنها المصادفة ولكن لقد قال الغلام أنه يمكنه أن يصيب دفة القارب ، اتجه الضابط إلى الدفة وتفحصها ، هناك علامة حديثة عليها ، إنها العلامة التي أحدثها الحجر ، إنها ليست مصادفة ، هذا الصبي بارع في الرماية حقاً ، وسوف يكون جندياً رائعاً للمدفعية السفر إلى فرنسا : والتفت للجندي الذي يقف بجانبه وهو يقول : أيها الجندي ، عد إلى الجزيرة واحضر هذا الصبي القصير ، يجب أن يلحق هذا الرامي البارع بالجيش ، وفي صباح اليوم التالي توجه طابور الأطفال إلى السفينة ، كان الصبي القصير القامة بتقدمهم وعلى وجهه كل علامات السعادة ، وأدى التحية في فرح أمام الابط الذي قال له : ما اسمك أيها الفتى ؟ هتف الغلام : نابليون بونابرت … يا سيدي… ، قال الضابط : لن أنسى هذا الاسم أبداً نابليون بونابرت إمبراطور لفرنسا : ولم يكن في مقدور أي واحد في فرنسا أن ينسى ، لقد أصبح هذا الجندي القادم من كورسيكا أبرع قواد الجيش ، ثم أصبح قائده الأول ، كان عبقرية حربية استطاعت التغلب على العديد من الجيوش التي حاربها ، وفتح أوروبا كلها من جديد ، وكان يؤمن أن الهجوم خير وسيلة للدفاع ، وأن المعارك يجب أن تكسب الذكاء أولاً ثم بالقوة ثانياً ، وقاد فرنسا في انتصارات كبيرة ثم أصبح أول حاكم وإمبراطور لفرنسا ، ودخل القائد ، نابليون بونابرت ، التاريخ كواحد من أبرع قواد الحرب في العالم .