الأساطير الشعبية في كافة أنحاء العالم ، لا تنفك أن تبهرنا بالعديد من القصص المشوقة ، خاصة القديمة منها ، التي نشأت في العصور المظلمة ، حيث ساد الجهل والشعوذة وخلافه سواء بالحضارة الإغريقية أو الحضارة الأوروبية الأكثر حداثة نسبياً ، ومن بين الأساطير الملفتة للانتباه قصة غرانيق البحر ، وهذه تفاصيلها : غرانيق البحر هم الذكور من حور البحر أي عروس البحر تلك السمكة الجذابة التي تحمل جسد أنثى من الأعلى ، وتمتد إلى ذيل سمكة بالأسفل ، والتي طالما نالت شهرة واسعة في الثقافات المختلفة ، فعُرفت في الحضارات الأجنبية بحوريات البحر ، أو عرائس البحر ، وعرفت في الوطن العربي بجنيّة البحر ، وصاحبت قصص الرعب والأساطير العربية القديمة .
بالعودة إلى غرانيق البحر ، نجدهم على العكس من الصورة الحسناء لحوريات البحر ، فهم كرجال يجسدون النصف العلوي من السمكة والنصف الآخر يمثله الذيل ، وتم وصفهم في الأساطير الإغريقية القديمة والأوروربية كذلك بأنهم كائنات قبيحة الهيئة والمظهر ، لها لحية كثة سيئة المظهر ، وشعر من الأعشاب الخضراء البحرية وصورتها بعض الأساطير الأيرلندية بأنها كائنات مشوهة الوجه ، ولها عين واحدة صغيرة وأنف باللون الأحمر ، وكلها وصفت بأنها نذير شؤم في الحضارات القديمة ، فبحضورها تحدث العواصف وتغرق السفن والأشخاص ، وقيل عنه في بعض الحضارات أيضاً أنه كائن ذو حكمة ، ويمكنك أن تعرف جزءً من مستقبلك إذا ما حدث وقابلته في حياتك .
وتعود جذور الأسطورة إلى الميثولوجيا الإغريقية ، فالغرنق الأشهر يدعى ترايتون وهو الإبن الوحيد لكل من ايمفيريت وبوسيدون إلاهي البحر ، وكان ترايتون يحفظ البحر ويقيه من أي مكروه ، ولم يكن ترايتون قد ولد غرنيقاً للبحر ، بل كان إنساناً عادياً وله جسد بشري ، وكان يحب الصيد كثيراً والبقاء لساعات طويلة وسط المياه ، حتى قام باصطياد سمكة تأكل بعض العشب .
ولكن عقب دقائق قليلة انطلقت السمكة إلى المياه مرة أخرى ، وتركت خلفها بعضاً من العشب الذي كانت تأكله ، ففكر ترايتون قليلاً في إمكانية أن يكون لهذا العشب ، سحراً وإكسيراً خاصاً ، فقام بأكل جزء من العشب هذا ، وبدأ يشعر بعدها برغبة قوية في الحياة داخل المياه ، وأن يتحول إلى كائن بحري طيلة عمره ، فقفز إلى مياه البحر ، وظل يدع الآلهة ويرتجيهم أن يسمحوا له بالتحول إلى سمكة .
ويعيش ما بقي له في قلب البحر ، وظل ترايتون يصلي ليلاً ونهاراً حتى أشفقت عليه إلهة البحر ، وحولته إلى إله للبحر ، ووصفه شعراء الإغريق ، بأنه كائن أزرق اللون له ذيل سمكة كبير ، ويمكنه أن يتزوج من البشر .
وفي النهاية لم ينل غرنق البحر ، شهرة مثل حور البحر أو عروس البحر ، وما كُتب عنه من قصص أسطورية ، لم يكن كثيراً ، فتحولت القصة مرة إلى عمل سينمائي باسم رجل من أطلنطس ، قام فيه الممثل باتريك دافئ بأداء دور البطولة ، وأنه عريس البحر الناجي الوحيد ، من أطلال أطلنطس المهجورة ، كما كتب بشأنها الكاتب ماثيو أرنولد ، قصيدة حملت عنوان رجل البحر المنبوذ .
وتتحدث القصيدة عن أحد غرانق البحر ، الذي تزوج من بشرية ، ولكنها عقب فترة هجرته مع أطفاله ، وقيل عن غرانق البحر بأنهم مثل حور البحر ، لهم صوت جذاب وقفاتن لكل من يستمع إليه ، فينساق خلفهم دون تفكير .