أن يلتقي شغفك مع جذور عائلتك ، لهذا أمر مشوق بالفعل ، يقول لراوي ويدعى محمد ، أنا أنتمي لأسرة ، تضرب جذورها في مدينة ذاخرة بالآثار ، والكهوف الأثرية القديمة ، ولطالما جذبني الاستكشاف حتى أنني قد اتجهت لدراسة الآثار ، حتى أكون مقربًا من شغفي هذا ، الذي جعلني متفردًا بين أقراني ، فهم يحبون اللهو والأسفار واللعب ، بينما أجلس أنا أتابع بشغف شديد وعن كثب ، لتلك الأعمدة والكهوف القديمة ، وما ارتبط بها من حكايات وأساطير مختلفة . يقول محمد منذ طفولتي وأنا أرغب بشدة ، في استكشاف منطقة الطاسيلي ، التي تمتد كنوزها في منطقة الصحراء الجزائرية الواسعة ، ولهذا السبب حملت أمتعتي مع مطلع الإجازة الصيفية ، وضبطت أغراضي وانطلقت مستكشفًا ، لكل ما قرأته بشأن تلك المنطقة في الكتب والروايات . انطلقت برفقة أحد أصدقائي ، الذي قاد سيارته وهو يحملني منعه ، وودعته قبل أن أنضم إلى وفود السائحين ، الذي وقفوا على بداية منطقة الطاسيلي ، منتظرين أدوارهم في الدخول إلى المكان ، فلوحت لصديقي وأخبرته أن يأتي بالمساء ، ليقلني مرة أخرى إلى المدينة ، فودعني صديقي وانطلقت أنا أباشر مهمتي . حيث بدأت جولتنا بين الكهوف الغريبة القديمة ، ونحن نتنقل بين الحجرات والأطلال الصخرية ، وظللت ألتقط العديد من الصور للمكان ، هنا وهناك بعدستي الخاصة ، ثم تذكرت أنني لم ألق نظرة على الرمال المتحركة ، فانتهزت فرصة ووقفت أتأملها ، ثم قذفت قداحتي لأراها تغوص وسط الكثبان المتحركة ، فابتسمت ثم التفت عائدًا ، إلا أنني لمحت ظلاً يركض ، فانتابني الفضول لأعرف من يتبعني ، وللأسف كنت مخطئًا كعادتي . دخلت إلى الكهف لأرى من هناك ، ولكني أخذت أدور في المكان بغير هدي ، حتى ظننت أنني قد ضيعت الطريق ، في ملاحقة ظلال تظهر على الجدران في المساء ليس أكثر ، حاولت أن أعود إلا أنني فوجئت بأن قدامي لا تتحركان ، حاولت أكثر إلا أنني أدركت الموقف والورطة عقب أن تثبتت أقدامي. دون حراك ولمحت يدًا سوداء تمسك بقدمي ، فهلعت لدرجة أنني قد صرخت صرخة قوية ، فقدت على إثرها وعيي ، لأستفيق وأستعيد كلمات جدتي ، لا تدخل أماكن مظلمة ومهجورة يا بني ، فالليل مرتع لمخلوقات العالم الآخر ، هنا انتبهت وجلست فجأة ، لأجد نفسي راقدًا على أرض صخرية ، فأضأت مصباح الهاتف ، بالطبع لا توجد شبكة إرسال ، وبالتالي لا جدوى من محاولات الاتصال بمن أعرفهم . زحفت على بطني حيث وجدت فتحة في زاوية الجدار ، وشممت رائحة كريهة للغاية لا أدر ما مصدرها ، فظللت أزحف حيث شعرت لفحات من نسيم المساء ، فظننت أنني قد اقتربت من لخروج ، ولكن هيهات فجأة سمعت همهمة تأتي من فوق رأسي ، فرفعت رأسي لأجد مخلوقات غريبة الهيئة ، لا تنتمي لعالمنا من قريب أو بعيد بشيء .
وبدؤوا في النظر لي بوجوههم المرعبة ، مما جعلني أصرخ بشدة ، فوجدت مجموعة من البشر حولي ، يرقدون على صخور مجاورة ، ومتصل بهم مجموعة من الأنابيب ، وفجأة تحول المخلوق الواقف إلى جوار أحدهم ، إلى نفس هيئة الشخص ، ثم ارتدى ملابسه وحمل أغراضه وخرج ! فكرت قليلاً بالتأكيد ، سيأتي اليوم الذي يأخذونني فيه ، ويخرجون لأهلي وأصدقائي ، مدعين أنهم أنا ، هنا لمعت في ذهنه فكرة ما ، عندما سحبوه ليتحول إلى نفس مصير رفاقه ، استطاع أن يسحب أحد الأنابيب في حركة سريعة ، ثم انطلق محمد مهرولاً إلى الخارج ، وهو يحمل ثيابه ويسمع صرخات المخلوقات من خلفه ، وقد أدرك أنهم لا يستطيعون الخروج خلفه لسبب ما . تندهش محمد وارتدى ثيابه ، ثم انطلق راكضًا إلى حيث الطريق العام ، والعودة إلى دياره ، وهو يقسم على أن يخط تلك التجربة في كتاب بخط يده ، حتى يعلم كل من كانوا يسردون القصص بشأن كهوف الطاسيلي ، أن تلك القصص ما هي إلا تجارب حقيقية مرعبة .