كيف تجعل شخصاً ما ينحني لإرادتك؟ ماريا كونيكوفا تطرح في مقتطف من كتابها الجديد حول المحتالين إجابات من خلال تحري الحيل النفسية التي مارسها أحد أكثر المحتالين إثارة للصدمة في التاريخ.
في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1822، نشر غريغور ماكغريغور، وهو مواطن من اسكتلندا، إعلاناً مدهشاً، وقال فيه إنه ابن أحد الصرافين المحليين، وإنه أمير أرض "بويايز" على طول النهر الأسود في هندوراس.
وصوّر ماكغريغور منطقة "بويايز" بأنها أكبر من ويلز بقليل، وخصبة جداً ويمكن أن تنتج ثلاثة محاصيل من الذرة سنويا، وأن المياه فيها نقية ومنعشة يمكنها أن تطفئ أي قدر من الظمأ، وأن فيها كتلا من الذهب تمتد بطول مجاري الأنهار. وكانت الأشجار فيها تعج بالفاكهة، وتكتظ الغابات بالطرائد.
وقد رسم ماكغريغور لوحة لحياة جديدة تشبه جنات عدن، وكانت الصورة التي رسمها نقيضاً تماماً لاسكتلندا المظلمة الماطرة ذات التربة الصخرية.
وقال إن ما تفتقر له أرض "بويايز" هم المستوطنون والمستثمرون الراغبون في تطوير مواردها والاستفادة منها على أكمل وجه. في ذلك الوقت، كانت الاستثمارات في أمريكا الوسطى والجنوبية تكتسب شعبية، وبدت بويايز عرضاً جذاباًً بشكل خاص.
لم يكن لاسكتلندا يوماً أي مستعمرات خاصة بها. ألا يمكن أن تكون "بويايز" ركناً جديداً في ذلك العالم يمكن أن تستغله اسكتلندا بشكل خاص؟
هل كنت ستقع في فخ عملية الاحتيال هذه التي ابتكرها ماكغريغور؟ لقد كان الرجل خبير مبيعات، وعندما تفكر في الأسس النفسية وراء البراعة التي استخدمها في الخداع، فلا عجب أن العديد من الناس خدع فعلاً بتلك الأرض الوهمية.
أدرك المحتالون منذ زمن بعيد أن الإقناع يجب أن يجذب جانبين معينين من الحوافز البشرية، المحرك الذي يدفع الناس لفعل شيء ما، والجمود الذي يمنعهم من الإقدام على فعل ذلك الشيء.
في عام 2003، أضفى عالماً النفس الاجتماعي إريك نولز من جامعة اركنساس، وجي لين من جامعة وايدنر، صفة رسمية على هذه الفكرة بتسمية نوعين من أساليب الإقناع. الأول، ألفا، وكان أكثر تواترا: ويتعلق بزيادة جاذبية شيء ما. والثاني، أوميغا، ويتعلق بتخفيض المقاومة المحيطة بشيء ما.
في الأسلوب الأول، تفعل ما تستطيع لجعل اقتراحك أكثر جاذبية، مهما كانت طبيعته، فأنت تسرع الخلفية الدرامية التي تجعلك تقول: لماذا هذه فرصة رائعة، ولماذا أنت الشخص المثالي للقيام بها، وكم سيكسب كل واحد منها، وما إلى ذلك. وفي الأسلوب الثاني، تجعل تقديم طلب أو عرض ما يبدو قرارا سهلا جدا، كأنك تقول: لم لا أفعل هذا؟ ما الذي سأخسره؟
وأطلق العالمان على هذين الأسلوبين المتجاورين والمتباينين للإقناع اسم "نموذج الاقتراب والتجنب" في علم النفس. إذ يمكنك إقناعي بشيء عن طريق دفعي إلى الاقتراب منه، وتقليل الأسباب التي قد تكون لدي لتجنبه.
وحسب قول توري هيغنز، عالم النفس في جامعة كولومبيا، فإن الناس عادة ينجرفون إلى أحد طريقين تحفيزيين على الأرجح: فبعضهم ينصب تركيزه على التقدم (عندما يفكر في المكاسب الإيجابية المحتملة)، والبعض ينصب تركيزه على الوقاية
عندما يركز على الخسائر وتجنب الأخطاء).
ومع ذلك، فإن نهجاً يوحد بين طريقتي "الألفا" و"الأوميغا" يجتذب العقليتين، ويعطيه جاذبية عالمية، ومن السهل معرفة كيف قدم عرض ماكغريغور هذه التوليفة القوية.
على سبيل المثال، نشر ماكغريغور مقابلات في الصحف الوطنية روج فيها للامتيازات التي ستأتي من الاستثمار أو الاستيطان في بويايز. وسلط الضوء على الشجاعة والثبات الذين ستظهرهما هذه البادرة: لن تكون ذكياً وحسب؛ بل ستكون رجلاً حقيقيا.
وكان سكان المرتفعات في اسكتلندا معروفين بجرأتهم وتمتعهم بروح المغامرة، وكتب يقول إن بويايز ستكون أرض الاختبار المطلقة، والتحديات، والهبات، وإنها ستكون كل ذلك معا. ووجه أولئك الذين كانوا بحاجة إلى إقناع أكثر لقراءة كتاب عن فضائل "الأمة-الجزيرة" الصغيرة من تأليف المجهول توماس سترينجويز (ماكغريغور نفسه هو المؤلف في الواقع).
وقد أغرت نشراته الجمهور من خلال وعودها البارعة، وما تتضمنه من إغراء بالفرص، والندرة، والتحذير من مغبة السماح بإضاعة هذه اللحظة المثالية.
وهذا المزيج من أسلوبي "ألفا" و"أوميغا" يمكن أن يفسر وحده بالفعل جاذبية فكرة ماكغريغور، ولكن هذا النهج المثالي يتضمن أيضاً أساليب أخرى من المؤكد أنها ضاعفت من جاذبيته.
يقول عالم النفس روبرت تشيالديني، أحد أبرز خبراء الإقناع، إن ستة مبادئ تحكم العلاقات الأكثر إقناعا، وهي: التبادلية (أي أفيدك لتفيدني)، والثبات (أؤمن اليوم بنفس الشيء الذي آمنت أنت به أمس)، والمصادقة الاجتماعية (فعل هذا الأمر سيجعلني أنتمي للمجتمع)، والصداقة أو المحبة (تماماً كما تبدو)، والندرة (بسرعة، لا مجال للجدل)، والسلطة (يبدو أنك تعرف ما تتحدث عنه).
فكر في عدد المبادئ التي استخدمها ماكغريغور غريزيا، مثل التبادلية: استثمر معي وأعطيك فرصة العمر، وحياة رائعة لا يمكن لشخص آخر أن يعطيك مثيلاً لها
والمصادقة الاجتماعية: ستكون أكثر الاسكتلنديين وطنية، والأكثر احتراما، ورائداً ونموذجا. والندرة: تصرف الآن، لأن هذه الفرصة لن تبقى طويلا. إن لم تكتسح اسكتلندا أرض بويايز، جهة أخرى ستفعل ذلك، وستذهب الفرصة الوحيدة للأمة لتحقيق العظمة الاستعمارية.
والسلطة: بالتأكيد يعرف الدكتور سترينجويز (المؤلف الوهمي للكتاب المذكور أعلاه) ما يتحدث عنه. إن لم تكن تثق بي، ثق به على الأقل، ولكن لماذا لا تثق بي؟ ففي النهاية، نشرذ لك في أفضل وسائل الإعلام في ذلك الوقت.
نجحت تلك الأساليب تماماً كما كان متوقعا. بل كانت أكثر من ناجحة. فلم يجمع ماكريغور 200 ألف جنيه إسترليني مباشرة فحسب، والقيمة السوقية لسنداته بلغت 1.3 مليون أو 3.6 بليون هذه الأيام، بل أنه أقنع ما يوزاي سبع سفن محملة بالمستوطنين التواقين لشق طريقهم عبر المحيط الأطلسي.
وفي سبتمبر/أيلول عام 1822، ويناير/كانون الثاني عام 1823، توجهت أول سفينتين إلى الأرض الأسطورية تحملان حوالي 250 راكبا. وكان الناس عليهما سعداء؛ ففن البيع لدى ماكريغور لم يكن له مثيل.
ولكن بعد أقل من شهرين على وصول المستوطنين، وجدوا أن الواقع كان مغايراً بشكل صارخ للإغراءات التي احتوتها كتيبات ماكغريغور. لا موانئ، ولا تطوير، ولا أي شيء. كانت هناك فقط أرض قفر. بويايز لم تكن موجودة على الإطلاق. لقد كانت من نسج خيال ماكغريغور الخصب. كان قد جر المستثمرين والمستوطنين إلى منطقة مقفرة في هندوراس، وسرعان ما بدأ سر ذلك الاسكتلندي القوي يتكشف.
أما المستوطنون، بعد أن تمكن الثلث فقط من النجاة، فقد أنقذتهم سفينة مارة ونقلتهم إلى مدينة بليز. وكانت البحرية البريطانية قد استدعت السفن الخمس الأخرى قبل وصولها إلى وجهتها. أما ماكغريغور فقد فر إلى فرنسا.
إن كان ماكغريغور قد ندم على الإطلاق، فقد كانت طريقته في إظهار ذلك غريبة: إذ لم يمض وقت طويل على وصوله إلى فرنسا حتى بدأ في الترويج لبويايز مرة أخرى. قد تكون استثماراته الأولية تبخرت، إلا أن إتقانه لفن الإقناع لم ينتقص.
وفي غضون أشهر، كان لديه مجموعة جديدة من المستوطنين والمستثمرين مستعدة للذهاب. بيد أن فرنسا كانت أكثر صرامة من إنجلترا إلى حد ما في متطلبات جواز السفر: فعندما رأت الحكومة سيلاً من الطلبات للذهاب إلى بلد لم يسمع به أحد، شكلت لجنة للتحقيق في الموضوع. وأخيرا، زج بماكغريغور في السجن.
وبعد عودة وجيزة إلى إدنبرة، اضطر الرجل إلى الفرار مرة أخرى، يتبعه غضب حملة السندات الأصليين في بويايز. وتوفي ماكغريغور عام 1845 في كاراكاس. وحتى هذا اليوم، تبقى الأرض التي كانت بويايز قفراً خرباً ومتخلفاً، لكنها شهادة على قوة الحيل عندما تكون في أياد قادرة.