تعد شركة "نستلة" الشركة الأولى في العالم في مجال إنتاج المواد الغذائية والمشروبات، فلديها أكثر من 8500 منتج غذائي، وتبيعه في أكثر من 100 دولة في العالم، ويعرفها الرضيع والطفل والكبير والعجوز.
وفي هذه الشركة العملاقة أكثر من 489 مصنعا، موزعة في القارات الخمس، ويعمل لديها أكثر من 221.144 عاملاً وموظفاً.
شرارة انطلاقة الشركة كانت مشكلة واجهت جيران رجل مغمور في سويسرا، حيث أن أحد أطفال الجيران كن يعاني من نقص الغذاء، ويرفض حليب أمه، وكانت هذه المشكلة أفضل ما حصل لهذا الرجل، والذي كانت له اليد الطولى في تغيير أساليب التغذية في العالم، ولم يكن يعلم أن حل هذه المشكلة سيغير ما يأكله الناس ويشربونه.
ولد "هنري نستلة" في سويسرا عام 1814، بدأ بداية متواضعة جدا، ولم يكن يحلم بأن يصبح إنساناً ذا وزن وتأثير، درس الكيمياء، ثم تمرس في علم الصيدلة، وتعلمه بالممارسة والخبرة، ولم يكن هناك تطور عظيم في هذا المجال آنذاك، وكان محباً للتجارة، ودائم البحث عن فرص من خلال مساعدته للآخرين.
في عام 1843، جمع بعض المال واشترى مصنعاً صغيراً، كان يصنع ويبيع من خلاله زيت الجوز والبندق، وكان عمره آنذاك 29 عاما، كان متأثراً كثيراً بموت الأطفال الرضع الذين لا يستطيعون أن يرضعوا من أمهاتهم، لذا حاول كثيراً أن يبتكر بديلاً لحليب الأم من حليب البقر ودقيق القمح والسكر، تعذب كثيراً بخاصة أن قبول فكرة حليب غير حليب الأم كان يلقى معارضة كبيرة من الناس، إلى أن نجحت إحدى محاولاته بتجفيف حليب البقر وخلطه مع دقيق القمح، وكان ذاك عام 1867.
إستطاع اكتشافه أن ينقذ طفلاً ولد قبل أوانه، وكانت حالته ميؤوسا منها حسب رأي الأطباء، واسم منتوجه Afrine Lactee Nestle وقد حقق هذا الاكتشاف إقبالاً غير متوقع حتى أن المصنع لم يستطع أن يلبي آنذاك جميع الطلبات.
ريادة نستله
تم تصميم شعار الشركة على شكل مأوى للطيور نسبة إلى معنى اسمه باللغة السويسرية لتل نست، وكان يعني بهذا الشعار حسب "هنري نستلة" الأمان، الأمومة، الحنان، الطبيعة، الغذاء، العائلة والتراث. واسمر الشعار حتى يومنا هذا ولم يتغير.
صرح "هنري نستلة" عام 1867 بأن اكتشافه هذا سيكون له مستقبل عظيم، وكان على حق، وكان لشركته معه ومن بعده الريادة في كثير من المجالات، فقد كانت أول شركة تبيع الغذاء للأطفال، وأول شركة تبيع الحليب المركز في أوروبا، وأول شركة تصنع حليباً بالشوكولا، وأول شركة تبيع القهوة المجففة (نسكافيه) وأول شركة تبيع القهوة المثلجة وغيرها الكثير.
بعد سنة من إنشاء شركته أسس "شارلز بيج" القنصل الأمريكي في سويسرا وشقيقه "جورج" مصنعاً لإنتاج الحليب المركز في منطقة اسمها شام في سويسرا، واستخدما أسلوب نستلة وأسلوب "جل بوردون" مؤسس شركة بوردن للحليب المركز.
كانت الشركتان في وضع ممتاز وجيد، حتى العام 1874، وفي العام 1875 كان قد بلغ عمر هنري نستلة ما يزيد عن 61 عاما، وفضل عدم الاستمرار والتقاعد، فقرر أن يبيع شركة نستلة لشخص اسمه "جول مونيرا" مقابل مليون فرنك سويسري، وكان هذا المبلغ ثروة طائلة في تلك الأيام.
دخل مالك شركة نستلة الجديد في معركة تنافسية حامية الوطيس مع شركة "تشارلز بيج"، استمرت حتى العام 1905 أي امتدت حوالي 30 عاما، وقرر من بعدها المسؤولون عن الشركتين دمجها تحت اسم نستلة، وفي العام 1906 بدأت شركة نستلة ببيع الشوكولا.
انتشرت المواد الغذائية والمشروبات المجففة بشكل كبير في العالم مع بداية القرن العشرين، وفي عام 1907 بدأت شركة نستلة بشكل دائم بتصنيع وبيع منتجاتها في أستراليا، وبنت المخازن في سنغافورة، وهونغ كونغ، وبومبابي لتغطية احتياجات السوق الآسيوية.
صعوبات
واجهت شركة نستلة صعوبات جمة في الحرب العالمية الأولى عام 1914 لعدم توافر مصادر الحليب والمواد الأولية، لذا قررت التوسع للوصول إلى أسواق لم تتأثر بالحرب كثيرا، كالولايات المتحدة، وبنت المصانع الكبيرة، بلغت آنذاك 40 مصنعا، وتضاعف حجم إنتاجها، ولكن مع نهاية الحرب العالمية الأولى وجدت شركة نستلة نفسها في أزمة حقيقية؛ لأن الذين كانوا يشترون الحليب المجفف أيام الحرب عادوا واعتمدوا على الحليب الطازج، والحليب الذي كان له قيمة أكبر أيام الحرب والملاجئ، والذي يحفظ لفترة طويلة ويحضر سريعاً فقد قيمته، وسجلت شركة نستلة أول خسارة لها عام 1921.
زاد الأمور سوءاً ارتفاع أسعار المواد الأولية والركود الاقتصادي بعد الحرب والتدهور في العملات، ولإنقاذ الوضع كانت ردة فعل إدارة نستلة سريعة جدا، وجلبت الخبير المصرفي السويسري "لويس دابلز" لإعادة تنظيم الشركة، وتحسنت الأمور بوجوده، واستطاع أن يخفض ديون الشركة بشكل كبير.
في عام 1929 اشترت نستلة شركة كيلر، التي كانت أول شركة طرحت ألواح الشوكولا بكميات كبيرة، وشركة سويس جنرال أول شركة تبتكر الشوكولا بالحليب، وصاحبها كان "دانيال بيتر" الذي كان صديقاً وجاراً لهنري نستلة، وقد تم دمج هذه الشركة تحت راية نستلة لاحقا.
توسّعات
وسعت نستلة دائرة خط منتوجاتها، وفي عام 1920 طرحت شراب (ميلو) الغذائي، وفي عام 1938 طرحت أشهر قهوة في العالم (نسكافيه) فبعد مفاوضات بين "لويس دابلز" ومعهد القهوة البرازيلية والتي بدأت عام 1930 وكان الهدف منها ابتكار منتجات جديدة تساعد على التخلص من الأبحاث والتجارب، تم طرح قهوة نسكافيه التي أحدثت ثورة في شرب القهوة حول العالم.
وبنجاح فكرة الدمج مع شركات عدة ركزت نستلة على هذا الأمر وكانت فلسفتها نابعة من أن في الاتحاد قوة، وأن قوة شركتين ناجحتين تعتبر أفضل من التنافس والتحارب. لذا اندمجت شركة نستلة مع طحان سويسري اسمه "جوليوس ماجي"، الذي اخترع الحساء المجفف سهل التحضير والهضم، وضمته تحت لوائها.
عادت نستلة إلى المعاناة في الحرب العالمية الثانية من 20 مليون في عام 1938 إلى 6 ملايين عام 1939 بعدما انعزلت سويسرا خلال الحرب، لكن فترة ما بعد الحرب كانت بداية مرحلة ديناميكية وتقدم لنستلة، لأنها أضافت منتجات جديدة ومختلفة، وفتحت بذلك أسواقاً جديدة، وكانت قهوة نسكافيه من أنجح منتجاتها وأكثرها استهلاكاً.
يبلغ عدد منتجات نستلة حالياً أكثر من 8500 منتج، من أشهرها وأهمها نسكافيه ريكوري، ركوفي، مياه بيريه، سانتاماريا، نسكويك، ميلو، سيرلاك، نيدو، حليب نستلة، كافي ميت، نان، لاكتوجين، ماجي، معكرونة بيتوني، كت كات، بولو، وأخيراً وليس آخراً لوريال للماكياج.
تثبت شركة نستلة يوماً بعد يوم وبعد أكثر من 130 عاماً ولادة فكرة مميزة، لمعت في رأس هنري نستلة.
إن كل شيء يبدأ بفكرة، وعلى الرغم من الأزمات الكثيرة التي مرت بها الشركة والتوسعات التي كانت تحتوي على مخاطر كبيرة صمدت وما زالت تتصدر قائمة الشركات العالمية في مجالات عدة.
وكانت بحق مربية أجيال المستقبل من الناحية الغذائية.