كان الحجاج بن يوسف الثقفي، على ما به من صلف وتجبر وحب لسفك الدماء، جواداً كريماً، لا تخلو موائده كل يوم من الآكلين.
وكان يرسل إلى مستطعميه الرسل، ولما شق عليه ذلك، قال لهم: رسولي إليكم الشمس إذا طلعت، فاحضروا للفطور، وإذا غربت، فاحضروا للعشاء.
وحدث أن خرج يوماً للصيد، وكان معه أعوانه وحاشيته، ولما حضر غداؤه، قال لأصحابه، التمسوا من يأكل معنا، فتفرقوا كل إلى جهة، فلم يجدوا إلا أعرابياً، فأتوا به.
فقال له الحجاج: هلم يا أعرابي فَكُلْ.
قال الأعرابي: لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته.
قال الحجاج: ومن هو؟
قال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى، دعاني إلى الصوم فأنا صائم.
قال الحجاج: صوم في مثل هذا اليوم على حره؟
قال الأعرابي: صمتُ ليوم هو أحرُّ منه.
قال الحجاج: فأفطر اليوم وصم غداً.
فقال الأعرابي: أَوَيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد؟
قال الحجاج: ليس لي إلى ذلك سبيل.
قال الأعرابي: فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس إليه سبيل؟
قال الحجاج: إنه طعام طيب.
قال الأعرابي: والله ما طيَّبه خبازك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية.
قال الحجاج: أبعدوه عني.