هو خامسُ الخلفاء العباسيين، ووالده هو محمد المهدي، وأمه الخيزران بنتُ عطاء. عُرف الخليفة هارون الرشيد بورعهِ الشديد؛ حيث كان كثير الخشوع والتدين، ومن أبرز صفاته بكاؤه عند تلقيه المواعظ، وقد قيل فيه أنّه قضى حياته إمّا في الغزو أو في تأدية فريضة الحج، وهو أول خليفة عباسي يَستلم قيادة جيش الغزوِ بنفسه، دون أنْ يُوكلها لشخص آخر. كان هارون الرشيد من أكثر الخلفاء العباسيين الذين اشتهروا وذُكروا في الروايات والحوليات الأجنبية قبل العربية؛ حيث ذُكر في الحوليات الألمانية، وكذلك في الروايات الصينية، والهندية. وقد ولد هارون الرشيد في مدينة الري، وذلك في عام سبعمئة وثلاثة وستين للميلاد، أمّا وفاته فقد كانَ في مدينة طُوس في عام ثمانمئة وتسعة للميلاد.
توفي هارون الرشيد عن عُمُر يُناهز ستة وأربعين عاماً، حيث كان شاباً، وكان ذلك في مدينة طوس شمال إيران،
وأمّا سبب وفاته فهو علّةٌ في بطنه كان يُخفيها عن الجميع حتى أقرب الناس إليه، وهم ولداه المأمون والأمين إلّا أنه في طريقه لإحدى الغزوات شعر بدنو أجله وقد اشتد به المرض إلى أبعد حد، فقام بكشف هذا الأمر لأحدِ أصدقائه المقرّبين، وتوفي بعد ذلك بفترةٍ قصيرة. كان الرشيد يُخفي عِلَّته من خلال رَبط بطنه بقطعةٍ من الحرير؛ حتى لا يُظهر لأحد ما يُعانيه، وقد تمَّ دَفنُه في مدينة طوس، بعد أنْ رفضت الدولة الإيرانية تسليم جثمانه للبغداديين.
وسمي قبره بالهارونية. يُذكر أنّ هارون الرشيد بقي وحيداً وحزيناً في الأيام الأخيرة من عمره؛ حيث أنه وعلى الرّغم من كلّ إنجازاته وغزواته التي انتصر بها، وما حققه خلال حكمه من محاربةٍ للفتن وحلّ مشاكل البرامكة كان يَشعرُ بأنَّ أبناءه على خِلاف، وأنَّ هناك مَن يَنتظر نهايةَ عهده؛ ليبدأ عهده خلفاً له، على الرغم ممّا قدّمه وما وَصَل إليه خلال فترة حكمه.
كان هارون الرشيد يُقدِّر العلم والعلماء والمثقفين؛ حيث إنّه كان يتذوق الأدب والشعر، وكان مُثقفاً إلى حدٍ لا يُمكن وصفه، وكان يُقرِّب العلماء والشعراء والأطباء والموسيقين منه، وكان يَصبُ اهتمامه على المُثقفين بجميع فئاتهم، فلم يكن يهتم بفئة بِعينها، وكان يُقيم معهم الجلسات، ويُدير النقاشات، والاجتماعات، ويتبادل معهم الأفكار والمعارف. فيما يخص عائلته، فقد تزوج أكثر من امرأة، ولكنْ كانت ابنةُ عمّه زبيدة بنت جعفر هي التي تَحتلُّ المرتبة الأولى في قلبه، وقد كان له عشرة من الأبناء، واثنتي عشرة أنثى منها.