خرجنا أخيراً من مواقف مطار دبي ، بعد أن احتار بنا الهندي سائق السيارة الفان ، أو هكذا تخيلنا ، فقد لف بنا ودار في كل مواقف سيارات المطار ، التي يبدو أن سيارات دبي كلها كانت تركن فيها آخر الليل ، وكدت أسأل السائق الهندي عمّا إذا كنا فعلا في موقف سيارات مطار دبي أم في سوق السيارات في مدينة نصر
لكنني استنكرت السؤال فعلاً حتى لا أظهر وكأنني أنا الهندي ، فما الذي يجعل سوق سيارات مستخدمة في مصر مكتظة بهذا الكم الهائل من السيارات الأمريكية واليابانية الضخمة ذات الدفع الرباعي ، من فئة الاستيشن واللاندكروزر ، وهو المعتاد على صنف السيدان ، والهاتشباك الصغيرة
باب الخروج للمدينة :
حتى عثر السائق أخيراً على باب الخروج من المواقف ، ليمسك أول طريق البلد ، بعد أن صعد كباري ونزل أنفاق ، ولف على نافورات ، كانت ترش مياه حمراء وزرقاء وصفراء وألوان أخرى لم أتبينها ، وكأن البلد في فرح مستمر حتى مطلع الفجر ، ويبدو أن البلد لم يكن بعيداً بالقدر الذي تخيلناه ، فقد بدأت تطالعنا لافتات خضراء لمن يريد وسط المدينة ، وكذلك لمن يريد أبوظبي أو جبل علي ، حتى دخل بنا السائق أخيراً إلى طريق يؤدي إلى وسط دبي ، وظننا حتى فؤجنا بما لم نكن نتوقعه
ازدحام مروري في دبي:
كان الطريق من المطار إلى دبي مفتوحا ، وكانت السيارات تسير فيه وهي تكاد تطير من فوق الإسفلت الناعم جداً ، مثل أسراب الغزلان البرية عندما تهاجمها النمور في برنامج عالم الحيوان ، لهذا لم تكن أعيننا المنبهرة ، تستطيع متابعة أي شيء ، مع تلك السرعات الرهيبة ، التي لم أشاهد مثلها من قبل ، لكن هذا لم يدم طويلاً ، فقد وقفت الفان في أول اشارة ، التي تراكمت فيها صفوف السيارات ، فظننا أنفسنا قد عدنا لموقف السيارات مرة أخرى من كثرة السيارات ، وعلى الرغم من أن الطريق كان ست حارات ، لكنه كان ممتلئاً عن آخره ، وربما يصل للإشارة التي تسبقها ، وكلما فتحت الاشارة واقتربنا قليلاً من العبور تعود لتغلق علينا مرة أخرى ، وهكذا ..أين سكان البلد الأصليين :
تورمنا جميعا على كراسي الفان ، من قلة سيرها وكثرة وقوفها ، ولو كنا ندري مكان الفندق المنتظر لنزلنا ومشينا إليه ، فعلى الرغم من سخونة الجو في الخارج ، لكن وجوه البشر التي كانت تمشي في الشارع كانت مشجعة جداً على النزول ولو في الجحيم ، وقد تفرغ معظمنا لمتابعة لافتات المحلات والمولات التجارية الفخمة على جانبي الطريق ، التي كان معظمها بالانجليزية ، وبلغات أخرى لم نعلمها
ولولا بعد اللافتات باللغة العربية لكنا قد ظننا أنفسنا في عاصمة أوروبية ، أو في حاضرة من حواضر جنوب شرقي آسيا المبهرة ، من كثرة الوجوه الغريبة الحمراء والصفراء ، التي لم نعهدها في عالمنا العربي ، حتى بدأنا نتساءل بالفعل : أين ذهب أهل ذلك البلد ؟ وهل يسكنون في بلد أخرى قريبة ؟الوصول إلى الفندق :
لم يكن هذا السؤال غريباً بالطبع ، وقد تأكدت من منطقيته عندما وصلنا إلى الفندق الصغير ، الذي سنقضي فيه ليلتنا الأولى في دبي ، حيث استقبلتنا بمنتهى الترحاب شقراء باهرة الجمال ، هي موظفة الاستقبال في الفندق ذي الخمس نجمات ، ثلاثة منها من هيئة السياحة بدبي ، والنجمتا الأخريان كانتا تلمعان على خدّي تلك الشقراء الأوكرانية
وفي خضم سباحتنا جميعا في عينيها الزرقاوتين وشعرها الذهبي المنسدل على جبينها ، كانت قد فرغت وبمنتهى السرعة من انهاء كل اجراءات تسكيننا في الفندق ، وقد كنا عشرة أشخاص ، لنصحو من أحلام تذكرنا فيها علاقتنا الوطيدة بالاتحاد السوفيتي قديماً ، على صوت جرس ذهبي كانت قد رفعته ورنته من أمامها ، فجاء ثلاثة هنود ، كانوا صورة طبق الأصل من أميتاب باتشان ، فأيقنا أن فيلم الترحيب قد انتهى ، وصار علينا أن نتبع الهنود وهم يحملون لنا الحقائب
الغرفة :
وصلت إلى غرفتي وأنا أمشي خلف الهندي البتشاني الهيئة ، وقد فتح لي الباب بمنتهى الأدب ، لكنه دخل قبلي ، فقلت أحسن ربما يكون بالغرفة شياطين ، والحذر واجب في هذه الحالات ، لكن الهندي قد قام بظبط جهاز تكييف الغرفة ، وكذلك التلفزيون ، بعد أن وضع حقيبتي بجوار الدولاب
بدولار واحد فقط :
لم يبتظر الهندي ليأخذ بقشيش كالعادة ، وخرج سريعاً وسط دهشتني فلحقته على الباب وأعطيته ورقة بدولار واحد ، وكاد الرجل يبكي ، وهو ينحني ويقول لي ثانك يو سير ، بعد أن دسها سريعا في جيبه ، دون حتى أن ينظر فيها ، وأحمد اللهأن بنكنوت عملة أميركا كلها متشابهه ، فالدولار الواحد بحجم العشرة ، وشكرا لأمريكا ودولارها الذي تطبعه بنفس الحجم ، والذي جعلني سير رسمياً رغم أنف ملكة بريطانيا ، ثانك يو مسز دبي ، على هذا الكرم الانجليزي