حدث ذلك في عام 1997م ، حين ذهبنا إلى أقاصي الأرض لدفنه ، حيث غطى الثلج المكان ، كنت أعيش في ايطاليا ، وقد اعتاد أن يكلمني صباح كل سبت قائلاً : أيقظتك يا ابنتي ؟، وكنت دوماً أكذب وأقول لا أنا صاحية
اشتياق :
استغربت سماعه عند اتصاله في المرّة الأخيرة ، وكان يوم أربعاء ، خطر ببالي أنه سينقل لي ، من الطرف الآخر من الخط ، خبراً سيئاً عن موت أحد أفراد العائلة فسألته بلهفة : خير أجب : اشتقت إليك يا ابنتي ولو أقوى على انتظار يوم السبت لسماع صوتك ، فقلت لأطمئن عليك اليوم ، قلت في نفسي لابد وهناك أمراً ملحاً ، طلبه الوحيد فقط كان أن أنتبه لنفسي
الموت :
الثانية بعد منتصف الليل ، هاتف يرن ، لم أجفل فالدنيا رمضان ، وكنت قد وصلت لتوي للبيت ، لابد أن حفنة من الأصدقاء ستقترح المرور عليّ لنتسحر معاَ ، ولكن الصوت جاء من بعيد : والدك في المستشفى في حالة خطرة أجبت : في أي ساعة توفي ؟ ساد ارتباك قصير ، جملة مقتضبة ، انتهى الأمر بعدها ، اتصل بفريد ، ندور بسيارته في أزفة القرية النائية عشرات المرات ، صمت ثقيل ، أفتش في السماء عن أي نجمة ، لا أجد سوى خيالات متفرقة
العودة لبيروت :
طائرة تحملني ودموعي إلى بيروت ، أين هو أريد أن أراه ؟ ترينه غداً في الكنيسة يمضي اليوم بثقل شديد أمي لم تزرف دمعة واحدة ! لماذا يأتي كل هذا الكم من البشر للممارسة نفاقهم الاجتماعي ؟ كنت أفضل أن أمضي بقية اليوم معه فلدي كثير لأقوله له
اللقاء :
أدخل الكنيسة بخطى مترددة أقترب منه توقفت عن البكاء ، أريد صورة واضحة عنه لايعكر دفقان الدمع صفوها ، لم يتمكنوا من إغلاق عينيه ، بقيتا شبه مفتوحتين ، ترسلان نظرات حانية أخيرة ، لي ولي فقط
حنين :
كم كان جميلاً يستحق ضمه وقبلة أخيرة ، لم يسبق لي أن لمست ميتاً ، ألمس يده وأجفل ، لم تخطر ببالي إطلاقاً فكرة البرودة ، التي تعشش في الميت ، ضممته على الرغم من ذلك ، وطبعت على خديه عشرات القبلات ، وددت الاستلقاء إلى جانبه ، لا يتسع المكان في التابوت ، إلى اثنين ، حسناً سأستلقي فوقه ويأخذونا معاً ، حرام أن يترك وحده هكذا ، تعالجني سيدة بحبة صفراء ونجلس لنحتفل برتبة دفن الموتى
صديقي :
زياد المجنون على يميني ، صديقي يختفي ، لكن سرعان ما يظهر عند وقوعي في مصيبة ، يكره المراسم الدينية ، لكنه على الرغم من ذلك ، حدس أن وجوده سيريحني ولم يخطئ في ذلك ، يهمس فجأة في أذني بنكتة قاتلة ، شعرت معها بموجة هستيرية من الضحك توشك على الانفجار من داخلي ، دفنت بعدها رأسي في حضني ، حتى انتهى مفعولها
الضحية :
انتهى يومي في سرير واحد مع أمي ، التي تقول قبل أن تنام : لا أعرف ان كان اللازم أن أفرح أم أحزن أم ماذا أفعل !! ، نظرت اليها باستهجان ، تحول إلى نقمة عليها ذلك اليوم ، وتحديداً قبل ساعة من الآن ، فقد كان يعاملها بقسوة لا مثيل لها ، ولم تدافع عن نفسها ولو لمرة ، يضربها ، ويشتمها ويحقرها ولا تقول شيء ، اختارت موقع الضحية
الجلاد أم الضحية :
اليوم راجعت ما كتبته في نص سابق وتوقفت عند الضحية طويلاً ، ثم التمعت الفكرة في رأسي : من قال أننا نرث فقط الجينات ، من أهلنا ؟ لا بد من وجود جينات سيكولوجية تنتقل بدورها إلينا ، لقد ورثت من دون وعي منى ، موقع الضحية عن أمي ، أنا واثقة من ذلك ، لكنني لا أريد أن أكون هي ، إذ لست امتدداً لها ، وأقاوم منذ سنوات أعباء ذلك الامتداد ، لالالا ، لا أريد ذلك أريد أن أكون جلاداً أو لا شيء
حلم :
شعرت بالتعب فجأة فاستسلمت لقيلولة صغيرة ، انتبهت فجأة لوجود أبي الجالس في بيتنا ، بيت أهلى ، واستغربت أين كان مختفيا ً تلك المدة ، سألته بضعة أسئلة ، فأجابني : عندما تقرئين كتابي الذي أصدرته مؤخراً ستعرفين كل شيء ..استنكرت أن يكون الكل على علم بهذا الكتاب ، ما عداي ، وبدأت معه منا وشاتنا المازحة ، أهدده بإصدار كتاب أنا الأخرى ، أقول فيه أشياء لا تقال في العلن عادة ، وأؤكد له أنه لم يجد سبيل لقراءته ، لأني سأصدره باسم مستعار وسيموت كمداً لأن أشياء كثيرة ستفوته ، ثم أضيف متصنعة الوعيد ، وبكرة تشوف ، يسخر مني ونضحك طويلاً
يقظة :
استيقظت فجأة على قرع كعب الجارة ، الغليظة على السلالم ، لعنتها بصوت مرتفع ، حاولت النوم من جديد علني أمضي معه المزيد من الوقت من دون جدوى ، فنهضت حاملة في قلبي ، هذا الشعور العظيم بالاشتياق ، هذا الحنين لحبي وجلادي الأول
تفسير خالتي :
لو قصصت رؤياي على خالتي لقالت يحتاج إلى صلاة لأن روحه مضطربة ، لسألتني عما إذا أعطاني شيئاً أو لمسني ، فلهذه الأمور في قاموسها تفسيرات أخرى
تفسير فرويد :
بينما تزعم التفسيرات الفرويدية في تفسير الأحلام بأن عقلي الباطن ، يأخذنني إلى أماكن جديدة في علاقتي مع نفسي ، ومع من ارتضيت طائعة أن أكون ضحيته ، ويبقى الخبر اليقين عند ألف يوم الاثنين حيث لا يقين إلا الشك ..!