اعتزل كريستوفر نايت العالم لأكثر من ربع قرن ، وعاش وحده في الغابة ، حدث ذلك عندما كان نايت في العشرين من عمره ، وكانت تلك الفترة قد سبقها قيام نايت بالعمل في تركيب أجهزة الإنذار بالمنازل والسيارات وغيرهم ، في ولاية بوسطن ، ثم ترك عمله هذا فجأة دون حتى أن يخطر رئيسه بالعمل ، وغادر البلدة
لم يقم نايت بإخبار أي شخص عما فعله ، أو عن وجهته وقال أنه ليس لديه أصدقاء يخبرهم بما يفعله ، ولم يهتم بتكوين صداقات مع زملائه بالعمل ، فقط قاد سيارته على طول الساحل الشرقي وشاهد أضواء المدينة تختفي خلفه ، وظل طوال الطريق يتناول الأطعمة السريعة ويقضي الليل بأرخص فنادق أو نزل يقابله ، حتى وجد نفسه متجهًا نحو فلوريدا
في النهاية قاد نايت وغير وجهته نحو الشمال ، وكان في هذا الوقت أحداث مفاعل تشرنوبل وما أحدثه من تغيرات واسعة ، وهنا شعر نايت بالسعادة كونه يقود بنفسه نحو العزلة والحرية ، تلك الفكرة التي ملأت رأسه حتى صارت مقصدًا له ، فالبشر لم يتسببوا له سوى في الخذلان ، كما كان التعامل مع الناس دائمًا منبعًا للإحباط بالنسبة لنايت لذلك العزلة كانت هي القرار
ظل نايت يقود سيارته حتى فرغ منها الوقود ، وكان هو قد وصل إلى بحيرة موسهيد ، وظل يتحرك بين الطرق والدروب من طريق إلى آخر ، وهناك جلس نايت بين الأشجار حيث نصب خيمته ونزع حقيبة ظهره ، ليس معه بوصلة أو خريطة ، فقط جلس واستقر دون أن يعرف أين هو ، أو إلى مكان يريد الذهاب
وسط كل هذا لابد أن أسرة نايت قد عانت كثيرًا ، فهو قد خرج ولا يدري أحدهم إن كمان على قيد الحياة أم أنه قد ذهب إلى الأبد
لم يكن نايت من ضمن فئة النسّاك الذين تركوا الحياة وفاهيتها خلفهم ، واعتزلوا الناس ليرتقوا ويسموا بأرواحهم وينضجوا ، أو هؤلاء الذين كرهوا هذا العالم وما سببته الحضارة من دمار وحروب ومجاعات وغيرها ، أو حتى من يعتزلون الناس رغبة في التبصر العلمي ، أو المزيد من التعمق في النفس البشرية
كان نايت قد غادر وهو لا يدري إلى أين أو لماذا ، كل ما فكر فيه آنذاك هو فكرة العزلة ، حيث سار نايت بين الأودية والجبال والمنحدرات ، حتى أدرك أنه بالفعل لا يعرف أين هو ، وظل يرتحل ويتنقل من مكان لآخر عقب التخييم لفترات قصيرة أو طويلة على حسب ما يجعله مسرورًا
كانت أكبر مشكلة واجهت نايت هي الطعام ، فقد كان جائعًا للغاية ولم يحضر معه ما يكفيه من طعام لربع قرن بالطبع ، ولكنه كان يعرف كيف يستخدم أدوات الصيد إلا أنه لم يكن يملك بندقية أو عصا أو صنارة أو أي شيء على الإطلاق ، وكانت تلك أصعب ما واجهه حيث اضطر نايت لتناول بعض الفواكه والخضروات الموجودة في براري ماين ، حيث ذهب إى أن الأخيرة لم تكن سخية للغاية بإنتاجها ، مما يعني ذلك أنه دون القيام بالصيد أو نصب الفخاخ أو صيد الأسماك ، فسوف يقضي نايت جوعًا
استمر نايت في مسيرته حتى ظهرت بعض الطرق المعبّدة ، ووجد حينها طائرًا مقتولاً على جانب الطريق ، ولكنه لم يكن معه ما يشعل به بعض النيران ، فاضطر إلى أكله نيئًا ، تلك الوجبة التي لم تكن صحية أو شهية وإنما كانت طريقًا قويًا نحو المرض
وكان نايت قد تربى على قيم صارمة ، لذا لم يكن يستطيع أن يسرق بعض الأطعمة من لمنازل التي مر بها ، كذلك منعه كبرياؤه على طلب الطعام كالمتسولين من تلك المنازل ، ولكن ما أن قرصه الجوع عقب مرور عشرة أيام فقط ، حتى تساقطت مبادئه تلك وبدأ في سرقة بعض كيزان الذرة ، وحبوب البطاطس ، والخضروات الطازجة من بعض الحدائق التي مر بها
وأثناء تجول نايت بالمنطقة وجد مكانًا يمثل مخزنًا للمؤن ، وكان بلا حراسة ومع شدة الجوع وخلو المكان من البشر أو الحراسة ، هنا قرر نايت لأول مرة في حياته أن يسرق
كان نايت قد لاحظ أن السكان المحليين قد بدؤا في تحديث منازلهم بتحصينات أمنية جديدة ، ونظرًا لخبرته من عمله الوحيد قبل العزلة ، قتام نايت بمساعدة البعض منهم في تركيب الأجهزة الحديثة ، بينما قام بتشفير بعض أجهزة المنازل الأخرى ، أو قيامه بمسح بطاقات الذاكرة لبعض الكاميرات ، ولم يكن يترك خلفه أية آثار مما دفع رجال الشرطة في بعض الأحيان للثناء على عمله !كان نايت يتسلل متخفيًا إلى المنازل دون علم أصحابها ، ويقوم بسرقة الطعام ، ولا يأخذ أكثر من ذلك ، وقال أنه كان يشعر بالخجل جدًا عندما يفعل ذلك ، حيث ذكر نايت أنه كان واعيًا في كل مرة يفعل بها ذلك
ألقي القبض على نايت عقب سبع وعشرون عامًا من العزلة ، حيث تم ضبطه متلبسًا أثناء قيامه بسرقة أحد المعسكرات الصيفية على إحدى البحيرات ، وقابله العديد من الصحافيون لمعرفة تأثير فترة العزلة عليه وأسبابها وتم عمل أفلامًا وثائقية بشأن تجربته ، وكانت الحكمة التي خرج بها من تجربته وفق إجابته للصحافي الذي قابله ، أنه يجب عليك ان تستمتع بالنوم كثيرًا