عندما انتشر الخبر لم تصدق ما سمعت ، أخيرًا سيخرج إلى النور ، وينشر ظله في محيط وجودها ، ستغرقه بحنينها المخبأ في جرارها
قرار إطلاق سراح :
ولكن كيف خرج ؟ لقد أخبرها رجل بثياب عسكرية ، أن زوجها أفرج عنه وهو في المشفي لإجراءات بسيطة ، أدارت سماعة الهاتف واتصلت بولديها والأقارب واتجهت إلى المشفى مسرعة على باب غرفته ورقم القرار بإطلاق سراحه كان يقف رجل عسكري
دخلت الغرفة ، الأنابيب تلف حول السرير ، كأيد شيطانية وأجهزة ضخمة بعيون كبيرة ، لم يظهر منه سوى ذلك الارتفاع الطفيف للغطاء الأبيض ، وعلى المخدة شعر أبيض تعبث به الأنابيب ، ربما أخطأت الغرفة أو أخطئوا في تحديد الشخص المفرج عنه !ليس هو :
ليس هو ، اقتربت أكثر ونظرت إلى وجهه قطعة بلاستيكية تغطي أنفه ، ليس هو بالتأكيد ليس هو ، منذ شهر رأته ولم يكن هذا الحال ، كان متعبًا فقط ، صرخت في الرجل العسكري مستوضحة عن اسم الرجل ، فوجيء العسكري بسؤالها وأكد له أنه زوجها
اندفاع وتراجع :
اندفعت نحو السرير ودبابيس حادة تغزو جسدها أينما تحركت ، تفرست وجهه : لو يفتح عينيه ؟ .. زوجها طويل وهذا الرجل قصير ، وجهه عريض وهذا الرجل لا وجه له ، جسده ضامر حد الذوبان ، أمسكت يده امتزج عرقها مع يده الزرقاء ، شدت على اليد ، انتبهت فجأة إلى الإبر المغروسة فيها ، فتراجعت إلى الوراء
المرض وإخفاء الأمر:
أي نهر من الدموع فاض في أروقة المشفى ، وأغرق ليل المدينة بألوان شوقها إلى حضنه ، لم يدرك كائن بشري اتساع صرخاتها الداخلية وحنينها العتيق إلى رائحته ، هل من المعقول أن يكون الإنسان موجودًا وغير موجود بنفس الوقت ؟ خطر ببالها رنين ضحكاته وراء القضبان ، وتذكيره إياهم بأيام حبهما الأول ، عندما سألت الأطباء عن حاله لم يجبها أحد ، ولم يحاول أي منهم التدخل ، كانت الممرضة تدخل وتخرج بصمت القبور ، وعندما جاء الأولاد والأقارب ترددت همسات عن إصابته بمرض السرطان وإخفاء الأمر عنها حتى وقت قريب
غيبوبة وموت :
لم تستطيع الوقوف على رجلها ، انهارت ودخلت في غيبوبة ، لم تفق منها إلا بعد أيام ، حين سألت عنه لم يجيبها أحد ، كان صمتًا أكبر مما حدث ، الوحيدة التي اقتربت وهمست في أذنها .. حفيدتها الصغيرة : جدتي أنت ما علمتي بموت جدي البارحة ؟ !نهاية غير منطقية :
لم تصدق ما سمعته ، هل انتظرت عمرها من أجل الموت ؟.. هل كانت على موعد مع الموت ؟.. ذهول أخرس وفضاء بحجم قبضة الكف ، لا ، إنه مازال في السجن ، من الأفضل أن تنتهي القصة على هذا النحو ، صرخت ومن الأوراق انسلت دمعة ، ودمعة وحين اكتمل رسمها ، جثمت فوق مكتبي ، وقالت : نهاية غير منطقية !الأوراق البيضاء:
لكنه مات حقيقة ، وليس في القصة ، ،أنت قاصة فاشلة وواهمة وتخترعين أشياء لا معنى لها .. نزلت عن المكتب وأحضرت أوراقًا وقما وبلهجة آمرة قالت : هيا اكتبي نهاية القصة ! .. لكني أنا كاتبة القصة وبطلتها ويحق لي التدخل في النهايات .. هيا اكتبي : بعد أيام شفي من مرضه وعاد إلى سجنه ، التفتت إلىّ وهمست : من قال لك أني أريده أن يخرج ، فليبقى في قضبانه ، حسنًا لأكمل ..وبعد عودته إلى سجنه صارت زوجته تزوره ليتحدثا عن ذكرياتهما القديمة في الحب ، انحنت على الأوراق ثانيةً وهمست في أذني : وإذا لم تنته القصة على هذا النحو ، سأنسحب وتعود أوراقك بيضاء