تكثر الأمثال العربية التي قيلت عن الغدر والخيانة ونكران الجميل ، ومنها هذا المثل : سمن كلبك يأكلك ، ويقال هذا المثل فيمن يحسن إليه وهو ضعيف حتى إذا قوي واشتد عوده غدر ، وأول من أرسل هذا المثل هو حازم بن المنذر الحماني .قصة المثل :
مر حازم بن المنذر بمحلة همدان ، فوجد غلامًا ملفوف رق له قلبه ، فحمله ، وسار به إلى منزله ، وأمر أمًة له أن ترضعه وترعاه ، ولما كبر وترعرع في كنفه جعله راعيًا لغنمه ، وأطلق عليه اسم جحيشًا ، ولكن الأخر لم يحفظ جميلته ، فكان من طبعه الزجر والنفور ، وكان لحازم ابنًة يقال لها رعوم ، أحبت الغلام وأحبها ، وكان الفتى ذا منظٍر وجماٍل ، وفي يوٍم خرج جحيشا إلى الكلأ يرعى الغنم ، فتبعته الفتاة ، ولما دنت منه سمعته ينشد الشعر قائلًا :أمالكَ أمٌّ فــتــُـدعــى لـها … ولا أنت ذو والِـدٍ يُـعـْـرَفُ
أرى الـطيـر تـُخبرني أنني … جُحيـشٌ وأنّ أبي حـرشفُ
يقول غـُرابٌ غـَدا سـائِـحـًا … وشاهِدُهُ جاهِـدًا يَـحـْلِـفُ
بأنـّي لـهَـمْـدان فـي غـَـرّهـــا … وما أنا جَـافٍ ولا أهـْـيَـفُ
ولكنـّي مـن كِـرام الـرّجـال … إذا ذكِـرَ الـسّـيّـد الأشرفُولما أحس بوجود رعوم رفع صوته وهو يتغنى بحبها قائلًا :يا حَــبـّـذا ربـيـبـتي رعـوم … وحَـبّـذا مَـنـطِـقــُـهـا الـرّخِيـم
وريحُ مـا يـأتـي بـه الـنسـيم… إنـّي بـهــا مُـكـَلـفٌ أهِيـمُ
لو تـعلمين الـعِلـم يـا رعوم … إنـّي مِـنْ هَـمْدانِها صَـميــمُفلما سمعته الفتاة إذدادت به حبا وإعجابا ، وأقبلت عليه وهي تنشد :طـارَ إليـكم عَرَضـًا فؤادي … وقـَلّ مـن ذِكراكم رُقــَادي
وقـد جَـفـَا جَـنـْبـي عـن الـوسادِ … أبـِيـتُ قـد حالـفني سُهاديفدنى منها جحيش وأجلسها وأخذ يتبادلان الحب ، وكانا يفعلان ذلك دائمًا حتى أحس الأب ذات مرة بغياب ابنته ، وفطن لأمرها ، ولما خرجت تبعها ، ووصل إليهما وهما على سوأة فقال حينها : سمن كلبك يأكلك ، ويقصد بهذا جحيشا الذي رباه وكبره فهتك عرضه ، ولما شد سيفه ليقتل جحيشا أفلت منه ، وعاد إلى قومه همدان.وبعدها رجع إلى ابنته وهو يقول موت الحرة خير من العرة ، وأرسلت هذه المقولة مثلًا أيضًا ، ولما وصل إليها وجدها قد انتحرت فأنشد قائلًا :قد هان هذا الثكـْل لولا أنني … قد أحبـبـتُ قـتلِكِ بالحسام الصارم
ولقد همَمْتُ بذاك لولا أنني … شـَمّـرتُ في قتـْل اللـعين الظالم
فعلـيْكِ مَقتُ الله مِـنْ غـدّارةٍ … وعلـيـكِ لـَعـْنـَـتــُـهُ ولـعـنـَـة حازم