هي مقولة توارد سمعها على الأذهان منذ انتقلت إلينا ، وهي من التراث الشعبي القديم الذي توارثناه جيلاً بعد جيل واعتدنا ترديده ، والمقولة ترتبط بقصة قديمة وقعت مع أحد التجار اللذين كانوا يتصفون بالصدق والأمانة ، ولكن لسبب ما قرر أن يتخلى عن تلك الصفات الطيبة ويغش الحليب الذي يبيعه للناس ، فسلط عليه الله من ينبهه إلى عدم جدوى ما يفعله ويعيده إلى صوابه.ففي قرية من القرى البعيدة كان يعيش التاجر الأمين ، يجمع اللبن من أصحاب الماشية ويبيعه للناس ، وكان رجلاً حسن المعاملة وثق به الناس واعتادوا شراء الحليب منه ، وفي مرة من المرات قرر التاجر شراء قطعة من الأرض لكي يبني عليها بيتًا كبيرًا ، ولكن لسوء الحظ لم يكن المال الذي يملكه كافيًا .فأخذ يفكر في طريقة تدر عليه المال بسرعة حتى لا يفوته شراء قطعة الأرض التي رآها ، وهنا وجد الشيطان بابًا واسعًا للدخول والجلوس بقلب الرجل ، وأخذ يتلاعب بعقله وقلبه لكي يغش الحليب ويحصل على المال في أقرب وقت .وبالفعل خضع التاجر لوساوس الشيطان وخلط الماء بالحليب ، ثم ذهب لبيعه واشتراه منه الناس كما اعتادوا فهم يعلمون أنه تاجر أمين ، عاد التاجر وهو فرح بكل ما جمعه من مال فقد كانت كمية الحليب مضاعفة عن كل مرة ، وبالتالي كان الربح أكثر .وبينما كان التاجر عائدًا إلى بيته شعر بالإرهاق الشديد وجلس يستريح في ظل شجرة ، ثم فتح كيس النقود وأخذ يعدها وهو فرحٌ مسرورٌ ، ثم غلبه النوم فغفا قليلاً وبعد أن استيقظ أخذ يبحث عن كيس النقود فلم يجده ، ظل ينظر يمينًا ويسارًا ولكن دون جدوى .وفجأة وقعت عين الرجل على قرد يجلس أعلى الشجرة وبيده كيس النقود ، فحاول الرجل أن يصعد ليجلبها منه ولكنه لم يستطيع ، فأخذ يهدد القرد ويدعوه لإعادة النقود ولكن القرد تجاهله وفتح الكيس وأخذ يبعثر النقود بالخارج ، فمنها ما كان يقع على الأرض بالقرب من الرجل ، ومنها ما كان يقع في النهر المجاور للشجرة .فأخذ التاجر يجمع الأموال التي تقع صوبه وأخذ يعدها بعد أن انتهى من جمعها ، فوجدها تساوي ثمن بيع الحليب قبل أن يغشه بالماء ، فعلم أن الله أرسل هذا القرد حتى ينبهه للخطأ الذي فعله ويحرمه من لذة الحرام ، فهز الرجل رأسه وقال : مال الحليب للحليب ومال الماء للماء ، أي أن ثمن الحليب المغشوش بالماء ذهب في الماء ، ومال الحليب الصافي ذهب لتاجر الحليب .