في عام 1918 تقدم إلى شركة السكر الأمريكية الهاييتية تسعة فلاحين للعمل في جني محصول قصب السكر ، كان الفلاحون بحالة يرثى لها تدعو إلى الأسى والحسرة .الفلاحون :
وكانوا يقفون صامتين بثيابهم الممزقة والبؤس باد عليهم ، تقدم رئيس العمال تي جوزيف وزوجته كونستانس من مسئول الشركة وطلبا منه أن يقبل هؤلاء الفلاحين الخجولين القادمين من قرية جبلية بعيدة ، ولما استفسر عن صمتهم أخبره جوزيف بأنهم لا يعرفون الحديث إلا بلهجتهم المحلية الغريبة .قبول بدء العمل :
قبل مسئول الشركة أن يجربهم ذلك اليوم ، واتفق مع جوزيف على أجر كان الأخير سيحتفظ بجزء منه لنفسه كعمولة ، وفي مساء ذلك اليوم أثبتت المجموعة جدارتها بالعمل ، حيث أنها عملت طوال النهار بجد ولم تتناول طعامها إلا في المساء بعد انتهاء العمل ، وبعد أن جمعت قصب السكر كمية لا تضاهيها كمية أخرى ، وظلت المجموعة تعمل كذلك طوال الأسبوع كامل في ظروف جوية صعبة مفعمة بالحرارة والرطوبة دون كلل أو ملل .المجموعة الغريبة :
وفي عطلة نهاية الأسبوع توجه جوزيف إلى العاصمة هاييتي ، بورتوبرنس ، لينفق الأموال التي جناها من عرق العمال ، ورأت زوجته أن تصطحب المجموعة الغريبة من العمال إلى ساحة الكنيسة في البلدة ، وهناك ابتاعت لهم بعض الحلوى ، وحالما وضعوا قطع البسكويت في أفواههم راحوا يبكون وينتحبون ، ثم هرعوا باتجاه الجبال ميممين صوب قريتهم .الموتى الأحياء:
وفي قريتهم استقبلهم أقرباؤهم وأصدقاؤهم بشوق وترحاب ، ذلك أنهم كانوا مجموعة من أهالي القرية الذين تم دفنهم قبل بضعة شهور ، لقد كانوا في الحقيقة من أتباع الديانة الودّونية ، التي قد يعود بعض أمواتها إلى الحياة عندما تدخل قوة فوق طبيعة أجساد الموتى فتحييها ، وقد نشر هذه القصة الكاتب و المستكشف الأمريكي وليام سيبروك الذي عاش في هاييتي في عشرينيات هذا القرن.هاييتي :
لقد ظلت حدود هاييتي حتى عام 1844م تشتمل على المستعمرة الإسبانية هسبانيولا التي نزل فيها كريستوفر كولومبس أثناء رحلته لاكتشاف العالم الجديد ، وكان سكان جزيرة هاييتي من هنود الكاريبي ، لكن الأوروبيين استأصلوا طوال الخمسين سنة ، التي تلت وصول كولومبس إلى الجزيرة ، جميع السكان الأصليين ، وأحلوا محلهم العبيد الذين كانوا يستقدمونهم من أفريقيا ، وقد استقدموا مع هؤلاء العبيد كذلك ايمانهم بالسحر والشعوذة التي تطور في هاييتي إلى نوع من الديانة عرف بالديانة الودونية .الاستعمار :
تعاقب على جزيرة هاييتي عدة مستعمرين ، فبعد الأسبان جاء الفرنسيون الذين أخذوا يستغلون جهد العبيد في استثمار خير الجزيرة من السكر والبن والقطن ، ومع مجيء الثورة الفرنسية عام 1789م كان يعيش في هاييتي 40 ألف فرنسي يستغلون نحو نصف مليون عبد يعملون في الجزيرة ، وكما تحرر الفرنسيون في وطنهم الأم نتيجة لمبادئ الثورة الفرنسية ، فإن سكان هايتتي أخذوا يتطلعون بدورهم إلى التحرر والاستقلال .الثورة والتحرر :
ثار عبيد هايتتي بزعامة كاهن غامض وطبيب ساحر يدعى بوكمان ، أخذ بوكمان يعزز عقيدة الودونية في نفوس عبيد الجزيرة ويرسلهم لمحاربة الفرنسيين دون خوف من الموت لأنهم سيحيون بعد موتهم حسب عقيدتهم ، وبقدر ما أبدى الفرنسيون من وحشية في قمع الثورة ، فإن عبيد هاييتي ردوا الصاع صاعين للفرنسيين ، وفي نهاية الأمر حصلوا على استقلالهم .حرب أهلية واستقرار :
غير أن الجزيرة شهدت حرباً اهلية بعد الاستقلال نتيجة التدخلات الفرنسية والبريطانية عام 1934م ، لحكم الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن عدم الاستقرار استمر في الجزيرة طوال فترة الأربعينات والخمسينات ، وفي عام 1957م نجح الطبيب الدكتور فرانسوا دوفاليه بتسلم زمام السلطة في هاييتي ، وكان معروفاً هناك باسم بابا دوك .الدكتاتور:
لقد استغل دوفاليه الديانة الودونية لتوحيد شعب الجزيرة ، وتحول في عام 1964م إلى دكتاتور متسلط ، وأعلن نفسه رئيساً مدى الحياة ، وترك شعبه يغرق في الجهل والخرافات ، كما أعلن نفسه رئيساً لكهنة الديانة الودونية ، واستعان بالشرطة السريه التي كان أفرادها يعملون كذلك باعتبارهم أطباء سحرة ، لقد عزز بابادوك الديانة الودونية ، وشجع شعبه على الايمان بعقيدتها ، وأعلن أنه يمتلك قوى خارقة هو ورجاله بغرض ارهاب معارضيه .تفشي الجهل :
وهكذا انشغل سكان الجزيرة أثناء فترة حكمه بخشية خروج أحبابهم من قبورهم ، فأخذوا يكدسون الحجارة الثقيلة والصخور فوق كل قبر ، ويحرسون القبر عدة أسابيع ، حتى لا تدخله الأرواح وتحيي الميت ، وفي حالات أخرى أخذ أقرباء الميت يحقنونه بالسم ويطلقون عليه النار بعد موته حتى لا يخرج من قبره ويعيش ثانية ، مسلوب لإرادة ومعطل التفكير .الموقف الأمريكي :
بيد أن هذه التصرفات أخذت تقابل بالاستياء والاستنكار في الغرب خاصة في أمريكا التي هدد رئيسها آنذاك كينيدي عام 1962م ، بقطع المعونة عن هاييتي إن لم يقلع دوفاليه عن سياسته ويعطي شعبه حريته وحقوقه الانسانية ، لكن اغتيال كيندي بعد ذلك عزز من مكانة دوفاليه وسيطرته على هاييتي وشعبها ، بحيث ازدادت الأمور سوءاً .تولي الابن الحكم :
وفي عام 1971م توفي فرانسوا دوفاليه فخلف ابنه جان كلود البالغ من العمر 19 عاماً ، وأعلن نفسه رئيساً لهاييتي ولب نفسه بلقب ، بيبي دوك ، وكان الغرب يأمل أن تتحسن الأحوال بعد موت دوفاليه الأب ، غير أن الأمور ازدادت سوءاً مع الابن ، واستمر الحكم يعتمد على السحر وإرهاب الشعب بالقوى الخارقة .السحر والشعوذة :
ولما هدد الرئيس الأميريكي جيمي كارتر بقطع المعونة ، مجدداً عن هاييتي واستنكر تصرفات عائلة دوفاليه ، ردت العائلة في عام 1978م بدفن عجل حي مع صورة الرئيس كارتر في حفرة بوسط العاصمة بورتو برنس ، كتعويذة ضد كارتر ، وكان وراء هذا العمل أرملة بابا دوك السيدة ، ماما دوك دوفاليه .الأموات الأحياء :
وبعد عامين من ترك كارتر البيت الأبيض ، بعد أن فشل في تجديد فترة رئاسته ، قام عالم في جامعة هارفورد يدعى ي . واد دافيس بدراسة حول الأموات الأحياء في هاييتي حيث تبين له صحة الأمر ، هناك أشخاص عادوا إلى الحياة فعلاً بعد دفنهم !قابل دافيس أحد العائدين من غياهب قبرهم وكان يدعى كلارفيوس نارسيس ، ففي عام 1962م ، أعلن مستشفى ألبرت شويزر في العاصمة بورتو برنس وفاة نارسيس ، غير أن الأخير عاد إلى الظهور حياً في قريته بعد سنتين .حكايات الموتى الأحياء :
لقد أشار نارسيس إلى ندبة في خده قال إنها من أثر أحد المسامير التي تم تثبيتها في النعش ، كما أنه أخذ أهل قريته ودلهم على قبره الذي خرج منه وجعلهم يشاهدون النعش الخالي ، يقول نارسيس : إن أخوته قتلوه بعد خلاف علي بيع الأرض ، وأن طبيباً ساحراً ساعده في الخروج من قبره بعد فترة على دفنه لا يستطيع تقديرها .حكاية أخرى :
كما قابل دافيس امرأة قتلها ذووها بالسم ظلنها رفضت أن تتزوج العريس الذي اختاروه لها ، بعد أن وجدوها حاملاً من رجل آخر !!التفسير العلمي لظاهرة الموتى الأحياء :
يقول دافيس في تفسير مثل هذه الحالات بأن الوفاة لم تكن حقيقية ، وإنما كانت نوعاً من التخدير أو التعطيل المؤقت لوظيفة القلب والجهاز العصبي ، ثم قارن بين حالات وجودها في هاييتي وحلات مماثلة حدثت في اليابان بعد تناول وجبة الأسماك السامة ، حيث قرأ عن حالتين صحا الميت فيهما قبل دفنه .هروب الحاكم :
بعد ذلك كشف الدكتور دافيس عن سر قيام بعض الموتى وعودتهم إلى الحياة ، تقلصت سلطة بيبي دوك دوفاليه ، وفقد السيطرة على شعبه ، ثم هرب في عام 1986م من قصره في بورتو برنس ولجأ إلى فرنسا ، وبرغم التفسير العلمي الذي قدمه دافيس لعودة بعض الموتى إلى الحياة ، فإن الأطباء السحرة في هاييتي اجتمعوا بعد هرب بيبي دوك ، وأنذروه بعدم العودة إلى هاييتي ثانية وإلا حولوه إلى ميت حي ، زومبي ..