قصة دليل البراءة

منذ #قصص منوعة

الظلم ظلمات ، وكم من أرواح ظُلمت ، ولم تجد من يحنو عليها ، بالدفاع والذود عنها ، حتى فاضت تشكو إلى بارئها ، ما حدث معها من ظلم وقهر ، لذلك أمرنا ديننا أولاً ، وكافة الأعراف الإنسانية ثانيًا ، ألا نظلم أحدًا وأن نستشعر العدالة في أحكامنا على البشر ، دون تمييز وفق جنس أو عرق أو لون ، ولعل جون دافيز بطل قصتنا واجه ظلمًا بيّنًا ، جراء انتمائه لمدينة كانت معادية ، لتلك التي عاش فيها وهذه قصته .جون دافيز شاب بريطاني فقير للغاية ، عاش في فترة القرن التاسع عشر ، وكان وحيدًا فقيرًا بالكاد يستطع الحصول على بعض المال ، حتى يجلب لنفسه طعامًا يقتات به ، ويسد رمقه وجوعه الذي كان يضرب ، معدته مثل الوحش طوال الوقت .مرت الأيام على جون وحملته قدميه ، إلى حيث تقطن الأرملة الثرية ، إليزابيث باكستر والتي لم ترغب في مساعدة مؤقتة لجون فقط ، وإنما وجدت بهذا الشاب الفقير ضالتها ، حيث كان قد توفى زوجها وترك لها ، مزرعة مترامية الأطراف في مدينة مونتجمري ، مما دفعها للبحث عمن يدير شئون مزرعتها ، وما أن رأت جون حتى شعرت أنه هو الرجل الأنسب لتلك الوظيفة ، وما أن عرضتها عليه حتى وافق على العمل لديها .كان جون أمين جدًا ، وبمجرد أن بدأ عمله لدى السيدة باكستر ، حتى حاز على إعجابها واحترامها فقد كان يعمل طوال الوقت ، بكل همة ونشاط مما جعلها تقربه منها أكثر ، وهذا أثار حنق كل من بالبلدة على الشاب المسكين خاصة أنه من أصول ، انجليزية جعلت الجميع يكرهونه ويبغضونه بشدة ، وذلك نتيجة النزاعات القديمة بين كل من السلت والساكسون منذ القدم .وهذا الأمر جعل جون منطويًا ولا يهتم سوى بعمله فقط ، حيث لم يستطيع الحصول على أية رفقة في المدينة الجديدة نتيجة تلك النزعات القديمة ،وفي أحد الأيام تأخر جون بالمزرعة على غير عادته ، لإنهاء بعض الأعمال المتزاحمة ليخرج بعدها ، في طريقه للعودة إلى المنزل في منتصف الليل ، هنا هاجمه اثنين من اللصوص في طريق عودته ، وأبرحوه ضربًا حتى سقط مغشيًا عليه .وخشي اللصان أن يستفيق جون ويدل رجال الشرطة عليهما ، فما كان منهما سوى أن قيدا جون وكمما فمه وذهبا به إلى مخفر الشرطة ، وأبلغا عنه بأنه كان يقطع الطريق على المسافرين ، ولكنهما استطاعا أن يوقفاه عند حده ويأتيا به إلى المخفر .استفاق جون واستعاد وعيه ليجد نفسه داخل زنزانة ، وهو لا يدري ما الذي أتى به إليها ، حتى علم ما قد حدث وبدأ يصرخ محاولاً الدفاع عن نفسه ، ولكن المسكين كان مكروهًا بين أبناء تلك المدينة ، وكانت للأسف عقوبة قطع الطريق هي الإعدام شنقًا ، لذلك تم الحكم على جون بأن يتم إعدامه شنقًا ، لهذا الجرم الذي لم يرتكبه ، وظل المسكين يصرخ محاولاً تبرئة نفسه ولكن دون جدوى .تم إحضار جون من زنزانته ، حتى يتم تنفيذ حكم الإعدام ، وقبيل شنقه رفع جون يده إلى السماء وقال ، أنه سوف يظل يدع الله ألا تنمو ، الحشائش فوق قبره حتى يكون هذا دليل براءته ، ولكن لم يأبه له أحد وتم إعدامه وسط جمع غفير من سكان المدينة .مضت الأيام وتم دفن جون بمدافن كنيسة مونتجمري ، ولكن لاحظ الجميع أن النباتات لا تنمو فوق قبره ، هذا الخبر الذي انتشر بين أبناء المدينة جميعًا ، ولكن المسئولون حاولوا عدم تصديق ما يحدث ، خاصة عندما أخبرهم وذكرهم الجميع بكلمات جون قبيل إعدامه ، لذلك أمر أحد المسئولين بإحضار تربة خصبة بها نباتات ، ووضعها أعلى قبر جون ، وكان هذا حلاً مقنعًا للجميع .ما لبثت النباتات أن ذبلت وجفت بمجرد ، أن تم وضعها فوق قبر جون المتوفى ظلمًا ، وظلت الحشائش كلما أتوا بأجود البذور ظلت تموت ولا تنمو قط ، وفي عام 1851م سمع أحد المسئولين بشأن مقبرة جون ، فقرر أن يتم حرث التربة كلها ، ونثر أجود أنواع البذور وأثمنها عند القبر وفوقه ، إلا أنها قد نبتت في كافة أرجاء المنطقة ، عدا قبر جون وفوق جثمانه تحديدًا ، وهنا تيقن الجميع من براءة جون المسكين ، الذي أُعدم زورًا وما كان من الجميع سوى أن يتركوا القبر ، وفقط أحاطوه بسياج ليحميه من اللصوص ، وظل القبر شاهدًا حتى يومنا هذا ، على جريمة أزهقت روحًا بريئة ، استطاعت أن تثبت براءتها بعد أن فاضت لبارئها .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك