يجهل أغلبنا بعض الأمور ، المتعلقة بالماضي وتاريخ الدول والحضارات ، وقد يكون ذلك إما تقصير من جانب بعض الدول ، في شرح حضاراتها القديمة ، لأبنائها منذ الصغر ، ولكن هناك جانب آخر ، يعود إلى بعض الكوارث ، التي حاقت بالكثير من التراث الثقافي ، في العديد من الدول .دخول المغول إلى بغداد :
عندما وصلت الجيوش المغولية إلى بغداد ، إبان فترة القرن الثالث عشر ، كانت العاصمة الجميلة تحوي ما يقرب من 36 مكتبة ، كانت أشهرها المكتبة ، التي قام بتأسيسها الخليفة المستنصر بالله ، وأتى بعدد من الرجال الأشداء ، حملوا إليها أكثر من ثمانين ألف كتاب ، ومثلها أسس هارون الرشيد بيت الحكمة في عهد الخليفة المأمون وتعهد برعايته .وكانت تحوي الكثير من المؤلفات المترجمة ، في الطب والفلك والهندسة ، والكثير من الكتب اليونانية لبطليموس وإقليدس وأرسطو ، وكانت تلك الكتب قد تم استقدامها من بلاد فارس ، وكذلك الهند وبلاد الروم ، إلا أن جيش هولاكو كان قد اقتحم المنطقة وانطلق نحو بغداد ، مستبيحًا كل ما قابله من دماء سكان بغداد وحرقوا بكل ما أوتوا من قوة ، كافة المكتبات بها ، وأتوا على كل ما فيها من كتب وألقوها بنهر الفرات ، الذي تحول لونه إلى اللون الأسود نتيجة تلونه بالحبر الموجود داخل تلك الكتب ، ودمروا كافة الجامعات والمشافي في طريقهم .ولم يكتفوا بذلك فقط ، بل دمروا السدود وأتلفوا نظام الري ، مما تسبب في ضياع وتدمير ، ما في البلاد من آثار تاريخية عظيمة وغرقها ، ودفع هذا الأمر الكثير من المؤرخين ، لذكر أن ما حدث في بغداد من تدمير عام 1258م ، أقوى ضربة للفكر الإسلامي بوجه عام ، ولم تسترد بغداد عافيتها عقب ما حدث حتى وقتنا هذا .محاكم التفتيش:
عقب سقوط غرناطة عام 1492م ، انطلقت محاكم التفتيش ، وتم تعميد الكثير من المسلمين بالقوة ، ثم تم تدمير كافة الكتب العربية ، تحت ادعاء احتوائها على أعمال السحر والشعوذة ، فتم حرقها كافة ، وخاصة الكثير من المخطوطات النادرة ، والتي قدّر عددها ، بملايين المخطوطات الحالية .ولم يتم الاكتفاء بذلك فقط ، بل تم إحراق العديد من المخطوطات اليهودية أيضًا ، إبان تلك الفترة الحرجة من تاريخ أوروبا ، وذلك تحت ادعاء احتوائها على أفكار خطرة ، وأخرى أحرقت نظرًا لعدم وجود الوقت الكافي ، لمعرفة إن كانت تحوي أفكارًا خطرة أم لا ! وكانت الفترة من العامين 1559م وحتى 1560م ، هي الأكثر قسوة وشراسة ، حيث تم منع دخول أي كتاب ، غير مكتوب باللغة الإسبانية ، مع إخضاع كافة المكتبات للرقابة من أجل تنفيذ هذا الشرط .ولم يتوقف الأمر عند تدمير الثقافة العربية ، عقب سقوط غرناطة بل امتد أيضًا ، إلى فرض الديانة الكاثوليكية على الجميع ، وتم اشتراط أن يكون المهاجر ، منحدرًا من أربعة أجيال متتالية ، لأسرة مارست الكاثوليكية فيما عرف باسم نقاء الدم ، حيث تم مراقبة المهاجرين وكيفية ممارستهم لشعائر وطقوس الكاثوليكية ، قبل أن تعميد المواطنين الأصليين قسرًا ، وخضعوا للقوانين ذاتها .وفي نفس التوقيت تم إتلاف ، كافة المخطوطات التي رصدت حضارة الأزتيك ، في بيرو ولم يُعرف حتى الآن من قام بتدميرها ، وإذا ما دُمرت عن عمد أيضًا ، حيث فوجئ الأسبان بما شاهدوه من حضارة قيّمة ، عندما ذهبوا لغزو تلك الإمبراطورية التي أسستها ، بعض قبائل الهنود الحمر على هضبة المكسيك ، لتندثر فيما بعد هذه الحضارة ولغة سكانها الأصلية ، وتصبح الإسبانية هي اللغة الأساسية لهم حتى الآن .