يعد توت عنخ آمون من أشهر الفراعنة المصريين ، وذلك ليس بسبب انتصارات حققها في عهده ، أو انجازات حدثت في عهده كما هو الحال مع كثير من الفراعنة المصريين ، وإنما تعد شهرة توت عنخ آمون راجعة لأسباب تاريخية ، منها اكتشاف مقبرته بعد مرور آلاف السنين وبقيت ما بها من كنوز كاملة كما هي ، دون أن يمسها أي تلف أو دمار ، ومنها بسبب ملابسات وغموض أسباب موته ، حيث توفي في سن صغير وهذا أمر غير طبيعي ، وخاصة مع اكتشاف وجود آثار لكسر في عظمة الجمجمة وعظمة الفخذ .ولادته ونسبه :
توت عنخ آمون ، معنى اسمه باللغة المصرية القديمة هو : الصورة الحية للإله آمون ،ينتمي إلى الأسرة المصرية الثامنة عشرة ، وهي تشكل فترة الدولة الحديثة من التاريخ المصري القديم ، اسمه توت عنخ ابن الملك اخناتون ، والده هو الملك اخناتون أو كما عرف بآمنحوتب الرابع ، ولد توت عنخ آمون في حوالي 1341 قبل الميلاد ، تولى ملك مصر وهو طفل عمره تسع سنوات ، بعد وفاة أخيه سمنخ كا رع ، وقد تزوج بأخته عنخ إسن آمون .توت عنخ آمون وفترة حكمه لعرش مصر :
قامت أحداث ثورة العمارنة في بداية حكم توت عنخ آمون لمصر ، ضد حركة اخناتون والذي تم نقل العاصمة من طيبة إلى العاصمة الجديد أخت أتون بالمنيا ، حيث حاول توحيد آلهة مصر القديمة التي تعددت الآلهة فيها ، والتي تعبد في مناطقها المختلفة في شكل الإله الواحد آمون رع .وفي السنة الثالثة من حكم توت عنخ آمون ، وكان عمره 11 عامًا ، وبسبب حداثة سنه تم اتخاذه لعدة إجراءات متأثرًا بوزيره خپر خپرو رع آي ، فارتد عن عقيدة آتون وترك العاصمة أخيتاتون عائدا مرة أخرى إلى طيبة ، وأعلن عودة عقيدة آمون مرة أخرى ، تحت ضغط من كهنة آمون الرافضين لما يقدمه إليهم اخناتون من فكرة الإله الجديد آتون ، وتم هدم آثار اخناتون من طيبة ، ومحوا اسمه من عليها وهجرها الناس .أبنائه :
تزوج توت عنخ أمون وكان عمره 9 سنوات ، من عنخ إسن آمون ، وأنجبت منه بنتين ولكن كلتيهما ماتتا أثناء ولادتهما ، ويعتبر هذا أمر محير جدًا ، لأن كلتيهما ماتتا ، ويعتبر هذا لغز من الألغاز غير الطبيعية أيضًا .وفاة توت عنخ آمون والألغاز المحيطة بها:
توفيّ توت عنخ آمون في حوالي 1323 قبل الميلاد ، وتعد وفاة توت عنخ آمون لغز محير ، حيث هناك اعتقاد سائد أن وفاة توت عنخ آمون لم تكن لأسباب مرضية ، ولكن تم اغتياله من قبل وزيره خپر خپرو رع آي ، ويرجع أصحاب تلك النظرية بالاستشهاد بزواج وزيره آي من أرملة توت عنخ آمون بعد وفاته .وكذلك العثور على رسالة بعثتها عنخ إسن آمون ، أرملة توت عنخ آمون إلى ملك الحيثيين ، تطلب منه إرسال أحد أبنائه لغرض الزواج بها بعد موت زوجها ، بالفعل قام ملك الحيثيين بإرسال أحد أبناؤه كي يتزوج بأرملة توت عنخ آمون ، ولكنه مات قبل أن يدخل مصر ، وهناك اعتقاد أنه تم اغتياله أيضًا بتدبير من خپر خپرو رع آي ، والذي كان يخطط للانفراد بعرش مصر ، ولكن كل تلك النظريات بدون أدلة قاطعة .وهناك نظرية أخرى تدعم أنه تم اغتيال توت عنخ آمون ، حيث أن الأدلة التاريخية تشير إلى وجود وزيرين لتوت عنخ آمون ، هما خپر خپرو رع آي ، والآخر حورمحب ، وأنه بعد وفاة توت عنخ آمون استلم الوزير آي مقاليد الحكم لفترة قصيرة ، ليحل محله الوزير الثاني حورمحب ، والذي تم في عهده إتلاف الأدلة على حكم توت عنخ آمون والوزير آى ، وهذا يعد دليل قوي على أنه تم اغتيال توت عنخ آمون عمدًا ، وليس وفاته بمرض .وفي عام 2005م وباستخدام التصوير الحاسوبي الشريحي الثلاثي الأبعاد ، على مومياء توت عنخ آمون ، ظهرت نظرية حديثة على يد العالم المصري زاهي حواس تنفي تعرض توت عنخ آمون للاغتيال ، وأن وفاته كانت نتيجة للالتهاب الناتج عن الكسر الذي حدث لعظم الفخذ الأيسر ، وأن الفتحة الموجودة في عظمة الجمجمة ليس بسبب تلقيه ضربة على الرأس وإنما فتحة لغرض التحنيط .وأظهرت أيضا تحاليل حديثة أن عظم سقف التجويف الفمي لتوت عنخ آمون لم يكن مكتملًا ، وأن الطول العرضي لجمجمته أكبر من الطول الطبيعي ، مما حدى بالبعض باقتراح متلازمة مارفان والتي أدت إلى موته المبكر .وفى دراسة نشرت في عام 2010م ، قيل فيها أن سبب موت توت عنخ أمون هو إصابته بمرض الملاريا ، ومضاعفات كسر في عظم الفخذ ، كما أشارت الدراسة إلى وجود بعض الأمراض الوراثية ناتجة عن خلل جينى متوارث في العائلة .اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون :
كان يتم بناء قبر الفرعون بعد عدة أيام من تنصيبه فرعونا على عرش مصر ، وكان البناء يستغرق في الغالب عشرات السنين ، وكان العمال يستخدمون أدوات بسيطة مثل الفأس في البناء ، وذلك لحفر أخاديد طويلة وغرف صغيرة في الوادي ، وبمرور الزمن ونتيجة لعدم التخطيط ، كان هناك قبور تبنى فوق قبور أخرى ، وكان شق الأنفاق والأخاديد الجديدة يؤدي إلى انسداد الدهاليز المؤدية إلى قبر الفرعون الأقدم ، وهذا يعد سبب رئيس لبقاء كنوز المقبرة لآلاف السنين وعدم تعرضها للسرقة .في عام 1908م حصل اللورد كارنرفون وهو أحد النبلاء الأثرياء الإنجليز ، على تصريح بالحفر في وادي الملوك بطيبة ، غرب محافظة الأقصر بمصر وقد طلب إلى هوارد كاتر والذي كان على صلة بسلطات مصلحة الآثار ، فهو عالم آثار إنجليزي وخبير بعلوم المصريات ، أن يتولى الحفائر في الأقصر ، وقد كشف كارتر عن قبر تحتمس الرابع ، وقبر يوياوتويا ، وقبر حتشبسوت ، واضطر إلى وقف الحرب عند بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914م .ولكنه استأنف العمل عام 1917م حتى أول نوفمبر عام 1922م ، إذ نقل الحفر إلى موقع قريب من مدخل قبر رمسيس السادس ، ثم كان بعد ذلك بأربعة أيام ، أن وقع العمال على أخدود مليء بالأنقاض وكسر الصوان ، يؤدي إلى سلم منحوت في الصخر ، ينتهي إلى مدخل مسدود مكسو بالبلاط المختوم بخاتم المقابر الملكي !.. وإذ بالحفائر ترفع الغطاء عن أعظم اكتشاف تاريخي ، بعدما ظلت مقبرة توت عنخ آمون مخبئة على مدى ما تجاوز 3000 عام .مقبرة توت عنخ آمون ومحتوياتها :
مقبرة توت عنخ آمون أو المقبرة 62 حسب الترميز العلمي ، تقع بوادي الملوك بمصر ، على ضفة النيل الغربية المقابلة لمدينة الأقصر اليوم .تنقسم المقبرة إلى المدخل أ بسلالم تتكون من 16 سلمة ، يتبعه دهليز مائل طوله 7 متر ، ثم حجرة أمامية مستطيلة الشكل عرضية يبلغ طولها 8 متر ، وعرضها 3.67 متر ، يتفرع منها في اتجاه الشمال حجرتان : حجرة التابوت ، وحجرة الكنوز ، كما يتفرع من الحجرة الأمامية حجرة إضافية صغيرة نحو الغرب ، وحوائط المقبرة غير مزينة ماعدا غرفة التابوت ، فعليها نقوش وعدة صور ، تصور توت عنخ آمون في مقابلته للآلهة في العالم الآخر.عثر بداخل المقبرة على 3500 قطعة من المحتويات موزعة في الغرف المختلفة ، تعبر عن طريقة المعيشة في القصر الملكي ، فقد وجد ملابس توت عنخ آمون ، وحلي ذهبية وأقمشة وعدد كبير من الجعران والتماثيل ، وكذلك أوعية ومواد للزينة وبخور، كما وجد أيضًا قطع أثاث وكراسي ومصابيح بالزيت ، وقطع للألعاب ، ومخزونات غذاء ومشروبات وأوعية ذهبية وفخارية ، وعربات كانت تجرها الخيول ومعدات حربية .بعض محتويات المقبرة تشير إلى حالة الانتقال العصيبة ، التي مرت على مصر خلال فترة العمارنة ، فترة عبادة آتون بدلا من آمون ، والتي أتى بها إخناتون وتوحيد كل آلهة المصريين في الإله آتون ، ثم عودة عبادة آمون بعد وفاة إخناتون وخلفه توت عنخ أمون ، ومثال على ذلك قطع في المقبرة تحمل اسم توت عنخ آتون ، وقطع أخرى تحمل اسم توت عنخ آمون .هوارد كارتر والتعامل مع مقبرة توت عنخ آمون :
حين عثر كارتر على 16 سلمة أزاح عنها ترسيبات من طمي النيل ، وحطام صخور ، فوصل إلى باب عليه أختام من العهد القديم ، وهي عدة طبعات أختام بيضاوية الشكل ، وعليها شكل انوبيس فوق تسعة سجناء ، وتسمى بالأقواس التسعة ، وهو ختم القبور الملكية .ردم كارتر المدخل مرة أخرى بالرمل والأحجار ، وانتظر حضور من كلفه بالتنقيب فجاء كارناروفون وابنته الليدي إيفيلين ، يوم 23 نوفمبر 1923م ، وصل كارتر مع مجموعة العمال المنقبين معه في عصر يوم 26 نوفمبر إلى مانع ثاني مختوم بعدة أختام ، فقام بكسر فتحة صغيرة فيه وأدخل يده ممسكًا بشمعة .وكتب كارتر تقرير عن ذلك ورد فيه مايلي : في البدء لم أستطع رؤية شيء ، وأتى عليّ هواء دافئ خارجًا من الحجرة مما جعل شعلة الشمعة تترنح ، وبعد أن تعودت عيناي على الظلام ، فبأت أتبين ما بداخل الحجرة ، حيوانات غريبة ، وتماثيل وذهب في كل ناحية بريق ذهب .وبدأ أعمال التنقيب في المقبر 62 حتى عام 1932م ، حيث قام كارتر والمجموعة العلمية العاملة معه بتصوير جميع الموجودات وتدوينها في قوائم ، من أجل هذا الغرض فقد نقلت القطع إلى مختبر أنشيء مؤقتا بالقرب من مقبرة سيسي الثاني ، وقام هاري بورتون ، بتصوير وتدوين القطع بتفويض من متحف متروبوليتان موزيوم أوف آرت الأمريكي .وقد استغرق إخلاء محتويات الحجرة الأمامية نحو 50 يومًا ، بغرض إخراج الدواليب الكبيرة والتابوت من حجرة التابوت ، واضطر كارتر بهدم جزء من المدخل المؤدي إلى الحجرة الأمامية ، وبذلك هدمت بعض المشاهد المرسومة وعليها الإلهة إيزيس ، والتي كانت تبين أيضا توت عنخ آمون مع أنوبيس و الإلهة هاتور .سرقة مقبرة توت عنخ آمون :
وجهت عدة اتهامات حديثة للمكتشف هوارد كارتر ، حيث قيل أنه للأسف لم يكن أمينا عند تعامله مع المرقد الملكي ، حيث تعامل معه كأنه ملكية خاصة ، بالإضافة إلى الهمجية في التعامل مع مومياء الملك ، حيث قام بإيقاد نار أسفل التابوت الذهبي الحاوي للمومياء ، لفصلها عنه حيث كانت ملتصقة بواسطة الزيوت والراتنجيات ، وقام بفصل الرأس عن الجسد ، فأصبحت المومياء سيئة الحفظ ، ومفككة وقام كذلك باقتحام المرقد الملكي هو ومموله كارنارفون وابنته ، واختلاس الكثير من البقايا الأثرية ، بدون إخطار الحكومة المصرية .أهمية كنوز مقبرة الملك توت عنخ آمون :
ترجع أهمية مجموعة كنوز الملك توت عنخ آمون لعدة أسباب : السبب الأول هو أن تلك الأمتعة ترجع إلى الأسرة المصرية الثامنة عشرة ، أزهى عصور مصر القديمة ، حيث انفتحت البلاد على أقاليم الشرق الأدنى القديم ، وقد كان في تلك الحقبة بفضل الحملات العسكرية و العلاقات التجارية من تصدير واستيراد للمواد والمنتجات المصنعة ، ونشاط أهل الحرف والفنانين أن قويت العلاقات الثقافية بين مصر وجيرانها ، وخاصة مع أقاليم الشام وبحر إيجه .السبب الثاني هو أن كنز توت عنخ آمون هو أكمل كنز ملكي عثر عليه ، ولا نظير له حيث يتألف من 358 قطعة تشمل القناع الذهبي الرائع ، وثلاثة توابيت على هيئة الإنسان ، أحدها من الذهب الخالص ، والآخران من خشب مذهب .والسبب الثالث هو أن هذه المجموعة قد ظلت في مصر ، لتظهر وتبين كيف كان القبر الملكي يجهز ويعد في ذلك الوقت ، فيوجد أمتعة الحياة اليومية كالدمى واللعب ، ثم مجموعة من أثاث مكتمل ، وأدوات ومعدات حربية ، فضلًا عن رموز أخرى وتماثيل للأرباب ، تتعلق بدفن الملك وما يؤدى له من شعائر .والسبب الرابع هو أننا من هذا الكنز ، نتعلم بشكل موثق كيف كانت حياة الملك ، مثل حبه للصيد وعلاقته السعيدة بزوجته عنخ اسن آمون ، وحاشيته الذين زودوه بتماثيل الشوابتى التي تقوم بإنجاز الأعمال بالنيابة عن المتوفى في العالم الآخر .والسبب الأخير هو أنه كرسي العرش الوحيد الذي وصل لنا من حضارة المصريين القدماء .عرض المومياء :
صرح العالم المصري زاهي حواس بأن العلماء المصريين بدؤوا قبل أكثر من عامين ، بترميم مومياء الفرعون توت عنخ آمون ، والتي تعرضت لأضرار بالغة بعد إخراجها لفترة وجيزة من تابوتها الحجري عند إخضاعها للتصوير الطبقي المحوري .وأضاف أن الجزء الأكبر من جسد المومياء كان مفتت إلى 18 قطعة تبدو كحجارة تحطمت أجزاء ، عندما اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر أول مرة ، وأخرجها من قبرها وحاول نزع القناع الذهبي الذي كان يغطي وجه الملك توت عنخ آمون ، وأشار إلى أن الغموض الذي أحاط بتوت عنخ آمون وضريحه الذهبي أثار فضول وحماس المعجبين بالدراسات المصرية القديمة منذ اكتشف كارتر المقبرة .المقبرة اليوم :
بحلول عام 2007 تم فرض رسوم إضافية لدخول المقبرة ، غير تلك المفروضة لدخول وادي الملوك، كما تم تحديد عدد زوار المقبرة إلى 400 زائر يوميًا، ومع مطلع عام 2009 تم إنشاء تصميم ثلاثي الأبعاد مطابق للأصل على موقع مفتاح التراث ، يتيح لرواده زيارة المقبرة وتفقدها في إطار بيئة تفاعلية .