إن البطولات العالمية مثل كأس العالم لا تخلو أبدًا من الأحداث السياسة ، وخاصةً عام 1938م فخلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية ، عندما كان زعماء الفاشية في ألمانيا وإيطاليا يتوقون إلى وضع ختمهم على النتيجة النهائية للمباريات ، أخطأ الألمان بإجبار خمسة لاعبين نمساويين على اللعب لفريقهم ، بعد أن غزت ألمانيا النمسا وضمتها قبل ثلاثة أشهر من انطلاق المباريات .كان أدولف هتلر يأمل في الانتقام بعد خسارته معركة الدعاية في أولمبياد برلين عام 1936م ، وكان من المفترض أن تكون تلك الألعاب عرضًا للنظام النازي والتفوق الموجود في السباق الرياضي أيضًا ، ولكن فاز الأمريكي جيسي أوينز العداء الأسود وسرق العرض كله بأربعة ميداليات ذهبية ، وكان فريق كرة القدم الأولمبي الألماني مستاء جدًا من هذا .وكان لدى النمسا فريق كرة قدم رائع يسمى فريق العجائب الكروي ، وكانت البداية للفريق الوطني النمساوي المعروف باسم فريق العجائب عندما هزمت النمسا ألمانيا عدة مرات ، حتى أنها وصلت للدور قبل النهائي لكأس العالم عام 1934م ، حيث خسرت أمام إيطاليا 1- 0 في مباراة شابها التحكيم المتحيز ، والتلاعب في نتائج المباريات مباشرة بقيادة الإيطالي بينيتو موسوليني .وعشية عودتهم ورغم تأهلهم اضطرت الفرقة النمساوية إلى الانسحاب من بطولة كأس العالم ، حيث كان جيش هتلر قد غزا النمسا وأعلن ضمها لألمانيا قبل ثلاثة أشهر فقط ، ونتيجة لذلك تم طرد اليهود من فريق كرة القدم النمساوي ، وتم تجنيد باقي اللاعبين في المنتخب الألماني .رفض نجم النجوم النمساوي واللاعب الأكبر في البلاد آنذاك ماتياس سينديلار الانضمام إلى الألمان ، زاعمًا أنه كبر في السن وذلك لبلوغه 35 عامًا ، لكن الحقيقة أن سنديلار كان وطنيًا نمساويًا ولم يدعم الاحتلال النازي عند وقوعه ، لكن اللاعبين النمساويين الآخرين سرعان ما وجدوا أنفسهم يلعبون لدولة محتلة في مرحلة كأس العالم ، وهم يرتدون الرمز النازي على ملابسهم الرسمية .كان النظام النازي يهدد جيرانه وكانت الحرب بعد أقل من 18 شهر ، وحينها كانت ألمانيا تواجه سويسرا للمرة الثانية في غضون أسبوعين ، وانتهت المباراة الأولى بالتعادل 1-1 لذا بموجب القواعد في ذلك الوقت ، كان لدى الفريقين إعادة لمعرفة من سينتقل إلى الجولة الثانية .تقدم المنتخب الألماني لأول مرة في الدقيقة الثامنة من المباراة التي أحرزها المهاجم النمساوي ويليام هانمان ، ويبدو أن الألمان كانوا سيحققون الفوز بعد هدف في مرمى سويسرا في الدقيقة 22 ، لكن المد تحول في الشوط الثاني وسجلت سويسرا أربعة أهداف متتالية وفازت عليهم في النهاية 4-2.كان المدرب الألماني سيب هيربيرجر الذي انضم إلى الحزب النازي عام 1933م غاضبًا ، وألقى باللوم في الهزيمة على المواجهة الخاسرة من قبل اللاعبين النمساويين بفريق ألمانيا ، ويبقى هذا هو الخروج المبكر لألمانيا منذ كأس العالم الذي بدأ في عام 1930م .فهل خسروا عن قصد؟ يقول ستانيسلاو بوغليس أستاذ التاريخ في جامعة هوفسترا ، والمؤلف المشارك لكتاب كرة القدم وحدود التاريخ والدراسات النقدية في كرة القدم مع بريندا إيلسي : “لا توجد طريقة لمعرفة ذلك ، لكنهم بالتأكيد لم يلعبوا بالطريقة التي يمكن أن يلعبوا بها لمنتخبهم الوطني ” .وأشار بوغليس إلى أن الأنظمة الفاشية في كل من ألمانيا وإيطاليا ، كانت تأمل في الفوز بكأس العالم عام 1938م ، وكان الإيطالي بنيتو موسوليني يحاول الحصول على لقب ثاني بعد استضافته للقب والفوز به في عام 1934م ، وتوصلت عدة تحقيقات إلى أن موسوليني سيطر على الحكام خلال هذا الحدث في وقت سابق .ووفقًا للوثيقة الوثائقية التي أعدتها هيئة الإذاعة البريطانية عام 2003م تحت عنوان “الفاشية وكرة القدم” : أنه بحلول عام 1938م ، كان فريق إيطاليا جيدًا بما فيه الكفاية للفوز دون مساعدة الرشوة وتخويف الحكام ، حيث يعكس انتصار إيطاليا وهزيمة ألمانيا صورة النظام ، وليس فقط اللاعبين في الميدان .وقال بوغليس أيضًا : لقد نظرت هذه الأنظمة الشمولية في الأحداث الرياضية بطريقة مختلفة ، كان يجب أن يكون كل شيء تحت رعاية الحكومة حتى الرياضة ، وفي يناير عام 1939م ، عثر على اللاعب سندلار وصديقته ميتين في شقتهما في فيينا من أثر التسمم بغاز أول أكسيد الكربون .وتكهن بعض أصدقائه بأنه مات على يد الشرطة السرية الألمانية وفقًا لسيناريو البي بي سي ، لكن معلقين آخرين لكرة القدم يعتقدون أن وفاة سنديلار وصديقته كان مجرد حادث بسيط ، نتيجة أدخنة من سخان مسدود في شقة سيئة الصيانة ، ويؤكد المؤرخ والخبير بوغليس أن الرياضة لم تكن أبدًا خالية من السياسة ، فهذا نوعًا الخيال المثالي على الرغم من أنه سيكون من الرائع فصلهم ، ولكن ذلك لن يحدث أبدًا .