إذا كان لك حق فعليك أن تطالب به دون خجل أو تراجع ، وذلك حتى لا يضيع حقك ويذهب هباءًا ، وهذا هو العُرف المعروف بين البشر منذ قديم الزمان ، وهو ما حدث بالفعل مع القروي الفصيح منذ أكثر من أربعة آلاف عام في عهد الفراعنة بمصر ، حيث أنه لم يتهاون في طلب حقه حتى حصل عليه كاملًا ، بل أكثر مما كان يتوقع ، فمن هو ذلك القروي الفصيح وما هي قصته .تاجر يسافر عبر البلاد :
القروي الفصيح هو لقب التاجر الفرعوني الذي كان يُدعى “خون أنبو” ، وهو كان واحدًا من عامة الشعب يعمل في مجال التجارة حيث يتجول عبر البلدان ليبيع بضاعته ، وكان يعيش في عهد الملك الفرعوني “نب كاو رع” ، وكان الرجل القروي متزوجًا من امرأة تُدعى “مريت” ، وكان لديه أبناء ، واشتهر بكونه تاجر يسافر من قريته إلى العديد من البلدان حاملًا بضاعته على مجموعة من الحمير .وكانت بضاعته عبارة عن نطرون وملح وأعشاب ومشغولات يدوية وأحجار غير كريمة ، لذلك وردت بعض الخلافات حول القرية الأصلية لهذا الرجل ، فهناك مصادر تقول أنه من وادي النطرون من محافظة البحيرة ، وهناك مصادر أخرى تقول أنه من قرية تُدعى غيط الملح في الفيوم ، كما أن قصته عُرفت باسم الفلاح الفصيح ، غير أن هذه التسمية كانت غير دقيقة لأنه كان تاجرًا وليس فلاحًا ، وربما كان هذا الاسم بسبب أنه يعيش في قرية وسط الفلاحين ، لذلك كان اسم “القروي الفصيح” هو الأدق .قصة التاجر مع ناظر الأرض الزراعية :
جرت أحداث هذه القصة في نهاية عصر الاضمحلال الأول ، وكانت بدايتها حينما خرج التاجر كعادته حاملًا بضاعته على الحمير الخاصة به متجهًا إلى العاصمة التي كانت تُدعى “إهناسيا” آنذاك ، وفي أثناء رحلته وصل إلى قرية تُدعى “بر ففي” ، حيث رآه ناظر الأرض الزراعية الذي يُدعى “تحوت نخت” ، والذي أراد أن يحصل على بضاعة هذا التاجر ، فلجأ إلى حيلة دنيئة .أمر الناظر أحد تابعيه بأن يقوم بقطع الطريق على التاجر ، وبالفعل وضع قطعة طويلة من القماش بدأت عند حافة النهر وانتهت عند حدود الأرض الزراعية التي يعمل بها ، ثم طلب من التاجر ألا يعبر من فوق القماشة ، فاضطر التاجر إلى النزول بحميره إلى الأرض الزراعية كي يعبر الطريق ، وهو ما جعل الناظر يستشيط غضبًا ، وخاصةً حينما وجد أن الفرصة قد سنحت له بعد أن أكل أحد الحمير من النباتات الموجودة بالأرض .قام الناظر بتهديد التاجر بأنه سيأخذ منه ذلك الحمار الذي أكل من النبات كجزاء على فعلته ، فقال له التاجر أنه سيشكوه إلى المشرف على كل الأرضي والذي كان يُدعى “رنزي مرو” ، فقام الناظر بإحضار عصا ثم ضرب بها التاجر بشدة ، حتى بكى التاجر واستغاث به كي يرحمه ويعطيه حميره التي أخذها منه بالقوة ، ولكنه رفض .المطالبة بالحق :
قرر التاجر أن يسافر إلى العاصمة بعد مرور عشرة أيام ، كي يقدم شكواه إلى المشرف “رنزي مرو” ، وبالفعل وصل إليه ثم قدمّ شكواه إلى أحد مساعديه ، والذي قام بدوره برفع تلك الشكوى إلى كبار المسئولين الذين لم يصدقوا رواية التاجر ووقفوا في صف الناظر ، ولكن رنزي رفض تحليلاتهم لهذه الشكوى ، مما جعله يتجه إلى الفرعون مباشرةً بشكوى التاجر .أمر الفرعون برعاية هذا التاجر وأسرته ولكن دون ان يعلم مصدر الرعاية ، كما أمر بعدم الرد على شكواه وتركه هكذا ليقدمها مرةً أخرى من أجل أن يكون هناك من يدوّن وراءه تلك الشكوى ، وذلك كي تتم الاستفادة من فصاحته في الكلام ، وبالفعل قام التاجر بتقديم شكواه الواحدة تلو الأخرى حتى بلغت تسع خطب .شعر التاجر فيما بعد باليأس وقرر الرحيل ، ولكن لحق به رسول من أتباع رنزي فخشي الفلاح من العقاب نتيجة لخطبه ، ولكن المفاجأة أنه علم أن الفرعون قد أمر بتدوين شكواه على صحيفة من البردي ، كما أمر رنزي بالتحكيم في تلك القضية ، وبالفعل قام رنزي بمعاقبة ناظر الأرض الزراعية وعزله من منصبه ، كما تم تجريده من ممتلكاته ومنحها للقروي الذي عادت إليه بضاعته وحميره أيضًا ، وامتد الأمر إلى أن أصبح هو ناظر الأرض الزراعية ، وهكذا عاد إليه حقه وأكثر كتعويض عما حدث له .