اهتم الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود طيبّ الله ثراه بالتعليم في المملكة ، فكان هو الذي قام بتأسيس أول مدرسة تحمل اسم “دار التوحيد” ، والتي تخرج منها كبار العلماء ، وكانت هي النواة الأولى لكلية الشريعة ، حيث أنها تُعد أعرق وأقدم المدارس المتخصصة في تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية.بداية فكرة تأسيس المدرسة وتنفيذها :
قام الملك عبدالعزيز رحمه الله بعقد اجتماع مع الشيخ محمد بهجة البيطار خلال عام 1363 هجريًا كي يناقش معه فكرة تأسيس مدرسة في الطائف ، وقد تمت أيضًا مناقشة الفكرة مع سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وهو المفتي العام للمملكة في ذلك الوقت ، وكذلك كانت هناك استشارة إلى كبار العلماء آنذاك في هذا الأمر .وقد تم تنفيذ فكرة المدرسة بنجاح خلال عام 1364م ، وأُطلق عليها اسم “دار التوحيد” ، والتي قامت بتعليم الطلاب العلوم الشرعية واللغة العربية ، فساهمت بذلك في دفع الحركة التعليمية إلى الأمام ، وتم اختيار محافظة الطائف لتكون هي المقر التعليمي الرئيسي في ذلك الوقت ، وذلك لما تتسم به من موقع جغرافي متميز ، حيث أنها تربط بين الحجاز ونجد ومكة المكرمة ، كما أن بيئتها الطبيعية خلابة ، مما جعلها تساعد الطلاب الوافدين إليها على سرعة التأقلم بها والاندماج مع أهل الطائف المشهورين ببساطتهم .ساهمت مدرسة دار التوحيد في تحفيز أولياء الأمور لضم أبنائهم إليها ، حيث أنهم لم يألفوا في السابق مثل هذه المؤسسات التعليمية ، فكان منهم من يخشى إرسال أبنائه إما للخوف عليهم وإما للحاجة إليهم في أعمال التجارة والزراعة ، ولكن النظام الدراسي والاهتمام العام بالمدرسة جعل الكثيرون من أولياء الأمور يتغلبون على مخاوفهم ويرسلون أبنائهم لتلقي العلم من مدرسة دار التوحيد .قام الملك عبدالعزيز رحمه الله بإسناد أمور إدارة المدرسة إلى الشيخ محمد بهجة البيطار ، كما تم اختيار نخبة مميزة من العلماء للتدريس بها أمثال الشيخ محمد الفرائضي أستاذ مادة الفرائض ؛ والشيخ أمين فودة رئيس محاكم الطائف ، والشيخ محمد حسين الذهبي أستاذ مادة التفسير ووزير الأوقاف المصري ؛ والشيخ عبدالله الصالح الخليفي أستاذ مادة الفقه .تشجيع الطلاب بالمدرسة :
عملت المدرسة على تشجيع طلابها من أجل الاستمرار في تلقي العلم ، فكان يتم صرف مكافأة مالية للمتفوقين كنوع من التشجيع على المنافسة الشريفة في إطار تحصيل العلم ، كما كان يتم صرف رواتب الإجازة الصيفية للطلاب قبل موعد الإجازة نفسها ، ومضت الحركة التعليمية بها على قدم وساق لتساهم في رفع المستوى التعليمي والتقدمي داخل البلاد .تم تأسيس مجموعة من المدارس الأخرى بعد مدرسة التوحيد والتي بلغت تسع مدارس خلال عام 1356 هجريًا ، غير أن دار التوحيد اهتمت بتعليم طلاب الابتدائية في المرحلة الثانية من التعليم ، والعمل على تطويرهم في العديد من التخصصات العلمية ، وقد بلغ عدد الطلاب الذين انتظموا بها في تلك الفترة خمسين طالبًا .أبرز العلماء الذين تخرجوا من دار التوحيد :
كانت دار التوحيد هي النواة الأولى لكلية الشريعة بمكة المكرمة والتي تم افتتاحها خلال عام 1369 هجريًا ، وذلك تبعًا لما أكده المؤرخون ، حيث كانت الدفعة الأولى التي تخرجت من كلية الشريعة هم طلاب من مدرسة دار التوحيد ، وهناك العديد من الشخصيات البارزة والعلماء الذين تخرجوا من مدرسة دار التوحيد ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم الجبير ؛ الشيخ محمد بن عثيمين ؛ الشيخ عبدالله بن سليمان الخليفي ؛ الدكتور عبدالله فراج الشريف ، وغيرهم الكثيرين ممن تقلدوا المناصب العليا في الدولة .