إذا كنت من قاطني أسبانيا أو ذهبت لقرطبة من قبل ، لابد أنك سمعت عن تلك الأسطورة التي تدور حول منزل مسكون وفتاة تبكي وكنز من الذهب ، فوفقًا للأسطورة يوجد بمدينة قرطبة قي أسبانيا منزل قديم ومتهالك ، يغطي البلاط الأسود جميع طوابقه ، وفي منتصف الليل تصدر منه صرخات لفتاة صغيرة تطلب المساعدة .فقبل سنوات عديدة كان المنزل مملوك لأسرة من أهم أثرياء المدينة ، وكانت تتألف من رجل وزوجته وابنتهما البالغة من العمر ثمان سنوات ، وكان يعيش معهم بالمنزل مجموعة من الخدم الذي يقومون على رعايتهم .وفي منتصف إحدى الليالي بينما كانت الصغيرة ساهرة تجلس في غرفتها ، سمعت بعض الضوضاء في الممر خارج غرفتها ، ففتحت الباب ببطء لتتبين ما يحدث ، فنظرت حولها ولكن كل شيء كان يبدو طبيعيا للوهلة الأولى ، وبعد لاحظت في نهاية الرواق طفل صغير يبدو في مثل عمرها يركض إلى الإمام .فأخذت الفتاة تفرك عينيها لتتأكد أنه ما رأته مجرد وهم وليس حقيقة واقعة ، ولكن ظل الصبي يركض أمامها وفي يده شمعة مضاءة وتوقف في ركن من أركان الممر الطويل ، ورفع لوح من ألواح البلاط التي تكسو الممر وأخذ شيئًا من جيبه ووضعه تحتها ، وبعد ذلك أعاد اللوح كما كان وتلاشى في الهواء .لم تستطيع الفتاة الصغيرة أن تصدق ما رأته عيناها ، وحينما نظرت إلى الوراء وجدت إحدى الخادمات تقف متعجبة ، فقد رأت ما رأته الفتاة وبعدها جاءت الخادمة على الفور ومعه شمعة ، واقتربت هي والطفلة بحذر من المكان الذي كان يقف به الطفل الشبح ، ورفعوا البلاط .فاكتشفوا تحته حفرة كبيرة تسمح لهبوط شخص واحد فيها ، وأسفل الحفرة لاحظت الاثنتان شيئًا على الأرض يتألق ، فأنارت الخادمة الحفرة بالشمعة التي في يدها ونزلت الفتاة إلى الحفرة ، فكانت المفاجأة حين وجدت كمية كبيرة من العملات الذهبية ، فأخذت تجمعها وسلمتها للخادمة ، وبعدها سحبتها الخادمة إلى أعلى ، وأغلقا الحفرة بإعادة وضع البلاط تمامًا مثلما كان .فرحت الخادمة بالكنز الذي وقع تحت يدها ، بينما فرحت الفتاة بتلك المغامرة التي قامت بها ، وأصبحت الاثنتان كل يوم تنتظران حلول الليل ونوم كل من بالمنزل حتى يفعلا ما فعلاه من قبل ، ولم تنسى الخادمة أن تحذر الصغيرة بألا تخبر أحد بسرهما هذا .كانا كل يوم يسمعان نفس الضوضاء ، وينظران للشبح نفسه ويرفعان لوح البلاط ويحضران العملات الذهبية من أسفل حتى جاء يوم مظلم كادت فيه الشمعة التي تحملها الخادمة لتنير الحفرة للفتاة أن تنطفئ ، فطلبت من الفتاة الصعود سريعًا لأن لديهم الكثير من المال .وبينما كانت الفتاة تصعد وقعت منها عملة ذهبية ، فنزلت بكل عفوية دون تفكير لتحضرها ، ولكن انطفأ الوميض وحاولت الخادمة عبثًا في الظلام أن تمسك بالفتاة ، ولكن دون فائدة ، فوضعت لوح البلاط كما كان حتى لا يلحظ أحد من سكان المنزل وذهبت للبحث عن شمعة أخرى .كان الممر مُظلم بشكل مخيف ، أخذت الخادمة تتحسس الجدران في رعب حتى وصلت إلى غرفتها ، وهناك حاولت البحث عن شمعة ولكنها لم تجد ، فاتجهت للمطبخ وفي أحد الأدراج وجدت شمعة وحيدة أضاءتها وسرعان ما عادت إلى الممر لتخرج الفتاة .ولكنها شعرت بالرعي عندما لم تستطيع أن تتذكر تلك البلاطة ؛ التي تقبع تحتها الفتاة ، كان الممر طويل وواسع وبه الكثير من البلاط ، لذا لم تستطع العثور على البلاطة المنشودة ، فأخذت كيس العملات وعادت إلى غرفتها وهي تحاول نسيان ما حدث .وفي الصباح استيقظ والدي الطفلة ، وحينما بحثا عنها لم يجداه فسألوا عنها كل الخدم ، ولكنهم أجمعوا بأنهم لم يروها ، حتى الخادمة التي كانت معها أنكرت رؤيتها حتى لا يعرف أحد بأمر الذهب ، قام الجميع بالبحث في أرجاء المنزل ولكن فائدة حتى الشرطة لم تتوصل لشيء .وبعد بضعة أيام بينما كانت الأم تبكي في غرفة نومها ، سمعت صوت يدعو الله بالخلاص ، فعرفته على الفور إنه صوت ابنتها المفقودة ، فقد كانت تبكي لشخص ما لمساعدتها وهي تقول : أرجوكم ساعدوني اسمحوا لي بالخروج من هنا .شعرت الأم أن صراخ يأتي من جزء بالمنزل ، ولكن أين بالتحديد لم تعرف ، لذا تم إعادة البحث مرة أخرى ، وقام الأب بحرف الأرضيات وهدم الجدران وتكسير الأسقف ليتبين مكان الصراخ الذي يسمعونه ، ولكن دون جدوى فقد تم تدمير المنزل ولم يعثر على أثر ، فاستسلم الأبوان وكفا عن البحث .ظل الوضع كما هو عليه لعدة أشهر ، فقد ظلا والدي الفتاة يستمعان إلى صوت صرخات متواصلة لابنتهما الوحيدة ، وهم لا يستطيعان إنقاذها ولا فعل أي شيء لها ، لذا فقدت الأم عقلها وانتحرت ، والأب أيضا لم يعش بعدها طويلًا فمن شدة الحزن توفي بنوبة قلبية شديدة .ومازال المنزل موجود حتى الآن يشهد على صدق القصة التي أكدها شعب قرطبة ، فهم يقولون إنك لو ذهبت إلى هناك في الليل ستستمع لصرخات فتاة صغيرة تطلب المساعدة ، وقد أصبح ذلك المنزل معلم شهير من معالم أسبانيا فالكثير مازالوا يحاولون سبر أغواره .هناك من يذهب لاختبار شجاعته وقدرته على المغامرة واجتياز الصعاب والبحث عن الكنز ، وهناك من يذهب للبحث عن أشلاء تلك الصغيرة التي مازالت تطلب المساعدة ، إلا أن أيا منهم لم يستطيع بقاء ليلة هناك .وكثيرًا ما كان الجيران يستدعون الشرطة عند سماع صرخات في منتصف الليل تخرج من المنزل إلا أن الشرطة في كل مرة عند معاينتها للمنزل لم تجد سوى شيء واحد ؛ بقايا شمعة صغيرة ملقاة على أحد ألواح البلاط في ذلك الممر الطويل بالمنزل .