قصة المُطارد


كانت تلك الليلة باردة ؛ وأنوار الشوارع تكاد تضيء بالكاد في جانبي الطريق ؛ حيث يتساقط المطر بشدة ، كنت أمشي وحيدًا في الشارع ؛ ولكنني كنت أعلم أنني لست وحيدًا ، ومضيتُ في طريقي بين الأضواء الخافتة والظلام الكثيف في اتجاه البيت .لقد كان يومًا شاقًا جدًا ؛ ومليئًا بالعمل المُرهق ؛ لذلك كل ما كنت أتمناه هو العودة إلى البيت لأستريح ؛ سمعتُ وقع خطوات خلفي ؛ فسارعتُ في المشي ؛ ووضعتُ يدي في جيب معطفي في محاولة لحماية نفسي من البرد الذي كان يهب من خلفي ؛ إنها كانت هَبة ريح شتوية من تلك التي قد تنتزع جلدك وأنفاسك دون رحمة .كانت دقات قلبي تتسارع بقوة ؛ وكانت الغيوم تُحيطني من كل اتجاه ؛ استطعتُ أن أتخذ خطوة جريئة بتوقفي للحظات ؛ واستمعتُ إلى الصمت من حولي ؛ ثم سمعتُ صوت خطواته من جديد ؛ حيث لم يستسلم ؛ ولازال يمشي خلفي .في تلك اللحظة أردتُ أن أركض سريعًا ؛ رغم أنني كنت أعلم أنني سأجعل الأمر أكثر سوءًا ؛ حيث أنني قد أزيد من انتباهه إليّ بتحركاتي السريعة ، ولكن لم يكن لديّ أي خيار أخر لأقوم بفعله ؛ فركضت سريعًا ؛ وسمعتُ صدى خطاه ترن على الرصيف بقوة ؛ لقد كان يتبعني في كل خطوة .مشيتُ بين الأزقة ؛ كنت أراقب الشوارع من حولي ؛ محاولًا أن أتناسى صوت خطاه الذي يدق خلفي ، وأخيرًا وصلت إلى الشارع الذي أسكن به ؛ وركضتُ مرة أخرى ؛ حتى دخلتُ إلى منزلي ؛ وحينما عبرتُ عتبة البيت ؛ تنفستُ بقوة على اعتبار أنني أصبحتُ آمنًا في ذلك الوقت ، شعرتُ لوقت قصير بالراحة والأمان .لم يكن الأمر كما توقعت ؛ لقد سمعت صوت خطواته بالقرب من باب بيتي ؛ فأسرعتُ باتجاه الباب وقمتُ بإغلاق ، وحاولتُ أن أجد مكان أخر لأختبئ فيه ؛ فنزلتُ إلى الطابق الأسفل ؛ غير أنه استطاع أن يخترق منزلي بطريقة لا أعلمها .كنت أشعر به يقترب ؛ فاختبأتُ تحت درج السلم ؛ لمحتُ ظله تحت السلم ؛ وكأنه كان يلحق بي بسرعة البرق ، وكأنني كنت في كابوس يطاردني ؛ حيث كنت أستمع إلى دقات قلبه بانتظام ؛ ثم بدأت تتباطأ رويدًا رويدًا ؛ وكانت إضاءة اللمبة غير مستقرة ؛ وكأنها تتراقص على أضواء الفزع الذي أصابني .كنت أشعر به يقترب مني ؛ غير أنه توقف فجأة ؛ كما كان يتوقف قلبي من شدة الرعب ، رأيته من بعيد وهو يراقب المنزل بعينين مُرعبتين ؛ كان يرتدي زي ذات لون أزرق ؛ وكان العشاء موضوع على الطاولة منذ ليلة أمس .اقتربتُ من كتفه بكل حذر ؛ كنت أريد أن أستغل عدم رؤيته لي لأنقّض عليه وأقوم بتفريغ بلعومه ؛ عن طريق تلك الحقنة التي كنت أحملها في يدي ؛ وبالفعل تمكنتُ منه ؛ واستطعتُ أن أصيبه بالشلل التام .نظر إليّ بحدة شديدة قائلًا بصوت هامس وضعيف : عمل جيد أيها الضابط ؛ وذلك قبل أن يدخل في غيبوبة فاقدًا وعيه ؛ وقد ذهب إلى الأبد مع سره ومطارداته لي في الوزارة.افترشت الأرض بدماء القتيل ؛ حتى زُهقت روحه ، حينها رسمتُ ابتسامة انتصار لأني قد انتهيت من ذلك الكابوس الذي كان يطاردني إلى الأبد ؛ الآن حقًا بدأتُ أشعر بالأمان والراحة .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك