الحديث عن الخيانة لا ينقطع ، وقصصه تحمل الكثير من العبر ولكن ، هل يتعظ الجميع إذا ما قرؤا عن الغير ؟ لا أعتقد فالمرء بطبعه يركض ، خلف نزواته وشهواته ورغباته الجامحة ، تاركًا خلفه وضاربًا بعرض الحائط ، كل ما قدمه له الأقربون من محبة واحتضان .الأميرة النظيرة :
في تراثنا الشرقي سمعنا كثيرًا ، عن قصة النظيرة ابنة الملك الحسناء الجميلة ، التي وقعت في حب وغرام ملك أعداء أبيها ، فما كان منها سوى أن خانت أبيها وشعبه وقامت بالإدلاء بكل أنانية ، عن الثغرات التي يمكن للعدو أن يقتحمها ، في أسوار مملكة أبيها ليدخلوا منها إليهم ، على وعد للأميرة النظيرة بالزواج لاحقًا .واقتحم الأعداء المملكة بالفعل ، وانتصروا واستطاعوا دخول المدينة الهادئة ، ليحولوها إلى بحور من الدماء ، حيث ضرب السيف في أعناق الجميع ، ومن بينهم أبيها الملك الذي لم يرحمه سيف الأعداء بالطبع .عقب أن أتم الملك العدو مهمته واقتحم المدينة ، أحضر إليه النظيرة وسألها عن كيفية معاملة ، والدها الملك لها من قبل ، فأجابته أنه كان يدللها هي وإخوتها جميعًا ، ولا يحرمهم شيئًا فاندهش الملك العدو ، وقال لها كيف استطعت أن تغدرين بأبيك ، على الرغم من كل هذا الدلال والمحبة ، وكيف أسلمك نفسي وأتزوج منك بعد أن قمت بخيانة أبيك ، ورفض الزواج منها بل وأمر الحراس ، بأن يربطوا يديها وقدميها بفرسين ، لينطلق كل منهما في اتجاه معاكس للآخر ، وتتمزق الأميرة لنصفين جزاء لما اقترفته من جرم وخيانة .الماركيزة دي برافيليه :
خيانة الفتاة لأهلها وعشيرتها ، ليست قصصًا نادرة الوجود أو أنها تحدث بالشرق فقط ، وللأسف الشديد هي أشد أنواع الخيانة التي يمكن للأهل أن يتعرضوا لها ، ولا يتعلق الأمر بالمستوى الثقافي أو الاجتماعي للفتاة ، وإنما بعدة عوامل أخرى يمكن الحديث عنها فيما بعد ، ولكن الأمر لا يقتصر على الشرق فقط كما أسلفنا القول ، والدليل على ذلك هو ما بدر من الأميرة الفرنسية ماري مادلين أوبري ، والتي كانت جريمتها غاية في البشاعة وليست مجرد الخروج فقط عن طاعة الأهل .ولدت ماري مادلين في باريس عام 1630م ، وكانت ابنة لأحد النبلاء في هذا الوقت ، والذي يعمل ضابطًا وكان حريص جدًا ، على العناية بأبنائه جميعهم والاهتمام بتعليمهم جيدًا ، لم تكن طفولة ماري سعيدة ، حيث تعرضت للاغتصاب على يد أحد الخدم وهي في سن السابعة ، ثم تعرضت لنفس الموقف مرة أخرى عندما بلغت ، العاشرة من عمرها على يد شقيقها المراهق .وبحلول عام 1651م كان مقدرًا لماري أن تتزوج ، من الماركيز دي برافيليه ومنذ ذلك الحين ، عرفت واشتهرت باسم مدام دي برافيليه ، وكان زوجها للأسف زيرًا للنساء ومعاقرًا للخمر ، لذ كان لابد لماري من إشباع عاطفتها الجياشة واتخاذ حبيبًا لها ، فما كان منها سوى أن قادتها الظروف للوقوع في حب أحد أصدقاء زوجها .وهو ضابط خيالة يدعى جودين دي سانت كروا ، وبالطبع في هذا الوقت كانت مثل هذه الأخبار ، تتناقل وتنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم ، وعلم الجميع بتلك العلاقة الآثمة في نفس الوقت ، الذي غادر فيه زوجها باريس فرارًا من ديونه التي تراكمت عليه بفعل القمار .ما كان من والد ماري سوى أن يتدخل لدرء الفضائح ، والزج بهذا العاشق إلى سجن الباستيل بتهمة لم يرتكبها حتى يتخلص منه ، ولحظ جودين كان زميله ، رجلاً بارعًا في تصنيع السموم ، وهو علم كان مقتصرًا على البعض في هذا الوقت ، وقد تعلمه جودين من رفيق زنزانته ، في وقت قصير ، وعقب خروجه من محبسه علمه لماري ، التي بدأت بتطبيق تلك الوصفات على المرضى بالمشفى ، والذين كانت تزورهم بدعوى الإحسان!كان العاشقان غارقين في الكثير من الديون ، فجودين بلا عمل والماركيزة غارقة في ديون زوجها الهارب ، وكانت تعول أطفالها السبعة ، فما كان منهما سوى التفكير في التخلص من والدها الماركيز ، من أجل الاستيلاء على أمواله .وضعت ماري لوالدها السم في شرابه ، ولم يكن هذا السم من النوع الذي يقتل بالحال بل كان ، يتسبب في الموت البطيء حيث يظل المريض يعاني من آلام بالمعدة ، شأنه شأن الأمراض الباطنية ، ومن المفارقات أن والدها طلب منها البقاء إلى جواره في قترة مرضه ، فظلت إلى جواره حتى فارق الحياة عقب مرور عدة أشهر .ولكن للأسف لم تكن ماري تريد لأحد أن يشاركها تلك الأموال ، فما كان منها سوى أن قتلت شقيقيها بنفس الطريقة عقب بضعة أشهر من وفاة والدها ، وهنا انتبهت شقيقتها لما يحدث ففرت هاربة قبل أن تطالها يد الموت .توترت العلاقة بين كل من جودين وماري ، وظن كل منهما أن الآخر متربص به ، خاصة جودين الذي شهد ماري وهي تقتلها عائلتها بدم بارد ، فقام بكتابة كافة الجرائم في كتيب صغير ووضعه بصندوق خشبي ، وسلمه لصديق له وطلب منه تسليمه للشرطة ، إذا ما مات هو فجأة.علمت ماري بما فعل جودين ، وكانت حريصة جدًا على حياته ، خشية تسليم الصندوق للشرطة ، وشاء القدر أن يتوفى جودين بطريقة عرضية ، عقب عدة أعوام ليسلم صديقه ، الصندوق إلى الشرطة وتتم مطاردة ماري ويتم إلقاء القبض عليها ، وتعذيبها بقسوة وأجبرت على تناول كميات كبيرة من المياه ، ثم تضرب على بطنها إفراغ ما بها في ساعات تعذيب متواصلة ، قبل أن تصدر الأوامر بقطع رأسها أمام العامة في ميدان عام .