في صباح 14 يوليو من عام 1958م ، كان الطقس شديد الحرارة في الشقيقة بغداد ، وخلال تلك الفترة يصعد العراقيون ، إلى أسطح المنازل ، يغتنمون ويتنشقون بعضًا من النسيم ، وأثناء هذا الوقت سمع الجميع وابل من الرصاص ، ينطلق في مكان قريب منهم ، وتتصاعد سحابة من الدخان الأسود في الأفق ، وكانت آتية من قصر الرحاب الذي تسكنه العائلة المالكة .اتجهت العقول نحو موضوع واحد ، ألا وهو حدوث انقلاب على الملكية ، وكانت في هذا الوقت ، لواء الجيش العراقي العشرين ، بقيادة اللواء عبد السلام عارف ، قد انطلقت في طريقها صوب الأردن ، من أجل المساعدة في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي ، على الأردن في هذا الوقت ، إلا أن تلك القوات التي كان يجب أن تعبر إلى الأردن ، مرورًا بالعراق لم تصل إلى وجهتها الرئيسة ، بل اتجهت فجأة نحو قصر الرحاب الملكي ، ليتم اغتيال كل من كانوا بالقصر ، وإسقاط الحكم الملكي بالعراق .كان أغلب المواطنون والعسكريون ، يحملون الكثير من الضغائن تجاه العائلة المالكة ، وذلك عقب وفاة الملك غازي عام 1939م ، إثر تعرضه لحادث انقلاب غامض بسيارته ، وكان ابنه الأمير فيصل الثاني ، صغيرًا آنذاك فآل الحكم الملكي ، إلى عمه عبد الإله الذي لم يحظ بشعبية كبيرة ، بل حمل الجميع ضده الكثير من الأحقاد والضغائن ، وقيل أن فترة حكمه كانت تذخر بالقلاقل والمؤامرات .كانت أخبار الهجوم على القصر الملكي ، قد وصلت إلى كافة الضباط بالجيش العراقي ، وكان من بينهم النقيب عبد الستار العبوسي ، هذا الرجل الذي خدم في الجيش العراقي ، مدربًا للمشاه وكان له شقيق قد قتل قبل أعوام ، وحمّل العبوسي ، مقتله إلى الملك عبد الإله .بمجرد أن علم العبوسي بما يدور ، بين الانقلابيين وحرس القصر الملكي ، من مناوشات واشتباكات بينهما ، حمل سلاحه وانطلق برفقة مجموعة من الجنود ، لحمايته واتجه صوب القصر الملكي ، الذي كانت تشوبه بعض المفاوضات ، من جانب الطرفين أي الضباط ، والعائلة المالكة حيث طلب الملك عبد الإله ، أن تستسلم العائلة حقنًا لدمائهم ، إلا أن العبوسي كان متحمس بشدة وتمتليء نفسه بالبغض .فأخذ يحرض الجنود والضباط الانقلابيين ، على عدم التفاوض مع العائلة المالكة ، وقام بضرب أربعة قذائف نحو القصر ، مما تسبب في فقدان الحرس الملكي لروحهم ، وأخذوا يستسلمون كما أمرهم الملك ، حقنًا لدماء العائلة المالكة ، وعقب الكثير من العهود والوعود بالتأمين وعدم التعرض لهم بسوء ، خرجت العائلة المالكة بداية من الأمير فيصل الثاني ، إلى جوار خاله الملك عبد الإله ، وبصحبة الأميرات عابدية ، وهيام وبديعة والملكة نفيسة ، إلى جوار طباخ العائلة التركي وأحد أفراد الحرس والخادم العجوز ، وكلهم عزّل ، بينما حملت الأميرة نفيسة كتاب الله الكريم .هنا ذهل الجنود أثناء خروج العائلة بهذا الشكل ، وهم يسيرون عقب انهيار الملكية بتلك الطريقة ، وقد تذكروا هذا القسم الذي أقسموه أثناء مكوثهم في الكليات العسكرية ، على حماية مليكهم الذي يسير أمام أعينهم الآن ، وهو مهزوم في حديقة قصره برفقة عائلته .فجأة وأثناء سيرهم بالحديقة ، وخروجهم من القصر ، هب النقيب العبوسي وقال صارخًا ، لا تدعونهم يخدعونكم ، ثم أطلق سيلاً من الرصاص ، تجاه الأمير فيصل الثاني ، الذي سقط بين أفراد عائلته مضرجًا بدمائه ، وقيل أن البعض من الجنود قد هرعوا نحوه ، فإذا بدموع تترقرق في عينيه قبيل وفاته ، حيث كان يستعد لإقامة حفل زفافه ، في نفس يوم مقتله ، إلا أن الموت كان هو الأقرب له.وقيل في بعض الروايات أن الملك فيصل الثاني ، قد مات إثر إطلاق النار عليه على الفور ، بينما روي في مشهد آخر أنه تم نقله إلى المشفى لتلقي العلاج ، ولكن لحقه أحد الضباط الانقلابيون وقتله بها ، بينما قيل في رواية ثالثة ، أنه قد تُرك ينزف حتى الموت في حديقة القصر ، وفي النهاية قُتل الملك خوفًا من استعادة العائلة لمكانتها ، بدعم من الدول المجاورة للعراق .ولعل مصير الملك فيصل الثاني ، كان أكثر حظًا من خاله عبد الإله ، الذي تم تقييده بإحدى السيارات ، وسحله في شوارع العراق ، بينما يطارده الناس ويقذفونه بالحجارة ، حتى عقب وفاته ، لينتهي الأمر بتقطيع أوصاله ، والرقص والقفز حول جثته الممزقة فرحًا .ظل العبوسي بعد ما حدث ، دون أن يحاسب على جريمته ، بل تمت ترقيته وتقلد الكثير من المناصب ، إلا أن صديقًا له ، أقر بأن العبوسي عاش طويلاً ، وهو يرى شبح الملك فيصل الثاني ، يأتيه في نومه ، ويلومه على قتله حتى أصبح الأمر أكثر سوء ، في أيامه الأخيرة فكان يرى أشباحًا لسيدات لا يعرفهن ، وهن يتوعدن بالانتقام ، حتى أتى اليوم الذي طلب فيه العبوسي ، من زوجته كوبًا من المياه ، لتسمع بعدها طلقًا ناريًا ، وتجده قد مات برصاصة في الرأس منتحرًا ، ولعله أراد أن يكفر عما فعل بالعائلة المالكة .