كان في بلاد اليابان ، فتى يسمى تملر ، لم يحظى بشيء من الجمال ، بل كان مشوه الخلق قبيح الوجه ، ومن رآه ظن أنه يلبس وجهاً مستعاراً ، فكان جلده قد ملء بقع صغيرة مختلفة الألوان ، بيضاء وسوداء وحمراء ، كأنه رقعة نثر عليها حب أرز وعدس ، مقشور وغير مقشور ، لقي هذا المسكين شقاءً كبيراً من تشويه هيئته ، ومن نفور الناس منه .في المدرسة:
ولكنه في المدرسة ، لم يحس هذا الشقاء ، وتمم تعلمه بين أخوة ، لا يؤذونه ولا يسيئون إليه ، لأن التلميذ الياباني مؤدب ، محب لأخيه بالمدرسة ، ولأن معلميه يحرمون عليه أن يحتقر إنساناً ، أو يؤلمه لسوء صورته ، والتلاميذ اليابانيون يحسنون طاعة المعلمين ، وهذا من أسباب عظمة اليابان ، وتقدمها فيما مضى .بعد انهاء الدراسة :
ولما ترك تملر المدرسة ، ذاق مر العذاب ، لنفور الناس منه ، واستهزاء الناس به ، وقد وجد السيدة تنظر إلى وجهه ، ثم تغمض عينيها ، وتدير وجهها ، فيفهم أن ذلك القبح لمنظره فيحزن كثيراً ، وتكاد عينه تدمع حزناً على نفسه .بعد مرور السنوات :
وهكذا عاش تملر شقياً معذباً ، من غير ذنبٍ جناه على أحدٍ ، سكن مرةٍ في بيتٍ ، وكان من بين جيرانه رجلاً طيب القلب ، يعطف عليه ولا ينفر منه ، فيزوره ويؤنسه ويصاحبه في بعض الأعمال ، وفي النزهة .ابنة الجار الطيب :
وكان لهذا الجار بنتٌ مؤدبةٌ كأبيها ، فرغب تملر في أن تكون زوجةً له ، وتشجع فحادث أباها في رغبته ، فلم يكن جوابه ، إلا أن أخلى المنزل له ، وسكن بعيداً عنه ، وقطع زيارته وصحبته ، فقد تملر آخر ونيس له ، في المدينة .الانتقال إلى الريف :
ففضل تملر ، أن يعيش في الريف ، يحرث ويزرع ويربي بعض الحيوان ، وقد نجح في عمله وربح كثيراً ، ووجد من الحيوانات أنيساً ، فكلبه الحارس الأمين ، يلازمه ويلاعبه ، والبط والدجاج يسعى إليه ، لتناول الطعام من يده ، حتى الحمام والطيور التي رباها تنزل على كتفه ، وعلى ذراعه لتلتقط الحب من يده ، وسلاه الأنس بالحيوان ، وأنساه ما كان يجده من نفور الناس .ولكنه كان يتذكر أحياناً أن وحدته وانفراده ، وحرمانه من الأصدقاء ، كانت لدمامته وقبح وجهه ، فيعود إليه حزنه وكدره ، ويتألم لسوء حظه .الحرب :
أعلنت الحرب بين اليابان وروسيا ، وقرأ تملر في احدى الصحف أن حكومته تطلب لجيشها متطوعين ، ففرح بهذا ، وسر قلبه وقدم متطوعاً ليعيش مع الناس ، أو يموت ليستريح ، كان تملر قوي الجسم ، وحياته في الريف زادته قوة وخشونة فقبل في الجيش ، وأصبح جندياً ، فحمل سلاحه ، وسار في الصف مع زملائه ، وذهب إلى ميادين القتال في كوريا ، وقد كان لا يبالي بالحياة ، ولا يخاف الموت .الجندي الشجاع :
كان يتقدم تملر ، إلى مواقف الخطر ، ويعود منها منصوراً ، وعرف بشجاعته وحسن تصرفه ، فترقى ومازال يترقى ، حتى أصبح قائداً ، وعرفت فرقته بالجراءة والتقدم في الحرب ، ونالت أكبر انتصاراً على الأعداء ، وصارت فرقة تملر أشهر فرق الجيش ، واسمه من أشهر الأسماء بين القادة .الانتصار :
انتصرت اليابان على روسيا انتصاراً باهراً ، وانتهت الحرب ، وأعلن الصلح ، وبدأت فرق الجنود تعود إلى بلادها ، وكل جندي فرح مسرور ، لأنه سيعود إلى الوطن ، وسيلقى أهله وأصدقاؤه وسيحدثهم بشجاعته ووقائعه في الحرب ، ولكن تملر وحده كان الحزين لعودته إلى الوطن ، سيترك الجيش الذي جعله ، قائداً مطاعاً معظماً ، وسيعود إلى الوحدة والوحشة ، أو إلى أصدقاؤه من الحيوانات .العودة:
ركب تملر السفينة ، وقطع البحر من كوريا إلى اليابان ، وهو يفكر في هذا الهم ، ولكنه ما أن نزل في طوكيو ، حتى وجد الجموع من بني وطنه تملأ ساحة المحط ، وجوانب الشارع ، وفيهم كثير من المصورين ومراسلي الصحف .كان كل هؤلاء ينتظرون الضابط الجريء تملر ، ليستقبلوه ويحيوا شجاعته ، ولينشروا في الصحف صورته وكانت الأعلام مرفوعة وقد كتب عليها : تحية الوطن لأبنائه الأبطال ، تحية لتملر ، وتقدم إليه بعض الشبان ، فحملوه إلى سيارته ، وتقدمت فتيات جميلات ، تهدي إليه طاقات الزهر ، تحية لشجاعته .الجمال في خدمة الوطن :
كان تملر في هذه الحفاوة يسأل نفسه ، أين وجهه الذي كان يفر الناس منه ، ويديرون أعينهم عنه ، هل مسحت الحرب دمامته وقبح وجهه ؟ أو استبدلت به وجهاً جميلاً ، إن الحرب لا تزيد الوجه ، إلا دمامة وخشونة ، ولكن نور الشجاعة ، محى كل عيب ، وجاءت هذه الجموع العظيمة لتشهد أن جمال الشجاعة ، يمحو كل عيب ، وأن الأمة العظيمة ، ترى أعظم الجمال في التحلي بفضيلة الشجاعة وفي خدمة الوطن الكريم .مغزى القصة : تُعلم الطفل إلا ينظر لشكل الوجه والعمل والسعي لإثبات الذات