قصة رحلة الفراشات المائية

منذ #قصص اطفال

وقف فلاح صغير أصل ، على شاطئ نهر النيل العريق ، بجلبابه الطويل الفضفاض ، وضيء الوجه ، مرفوع الرأس كالصقر ، يتأمل النهر المتدفق المنساب ، من الجنوب إلى الشمال ، ثم انحنى على الماء ، يغترف غرفة بيديه ، فكر أن يرفعها إلى شفتيه ، لكنه تذكر ما قرأه عن المياه الصحية في المدرسة .بين الحلم واليقطة :
فتوقف وترك الماء ينساب من بين أصابعه ، بقيت قطرات قليلة في كفه ، أخذ يرنو إليها ويتأملها ، ولا يدري كيف انشغل بها عما سواها ، وكأنه غاب في رحلة هي بين الغيبوبة والصحو ، خيل إليه أن القطرات في كفه فراشات ، صغيرة جدًا ، ذات أجنحة بيضاء رهيفة ، وأنها تقفز تحاول أن تفلت من كفه أو تطير ، لكن كفه تشدد الحصار .رحلة الفراشات المائية :
وكأنه سمع صوتًا من داخله ، يتوسل إليه قائلاً : دعنا نكمل رحلتنا من فضلك ، فتساءل وهو يكاد أن يصدق أن الفراشات تنطق ، إلى أين ؟ أجابت إحداهن : سننساب في موكب النهر تحملنا عناية الله ، وقد نتشابك في نهيرات صغيرة وترع ، وسواقي فنحيي الأرض ، ونكسوها رداءًا أخضر جميلاً ، ونتسلق جذوع الأشجار الخشنة ، نمد الأغصان بعصارة روحنا ، لتزهر وتثمر ، ونأتي إليك أيها الفلاح الطيب ، في حبة عنب ، أو في برتقالة أو في عود من قصب السكر ، فقط لم تتركنا نكمل رحلتنا !التكاتف والتجمع والاتحاد :
قال الفلاح الصغير وهو مازال مندهشًا : ولكن قد يدفعكن التيار إلى البحر ، فتضعن في الماء المالح ، أجابت احداهن : نحن نسبح في رعاية الله ، ومن كان في رعاية الله ، لن يضيع أبدًا ، قال : كيف ، كيف لا تضعن وأنتن قليل ، والمياه المالح ، بحر يمده محيط ، أجابت أخرى : سوف نتبخر ونتصاعد في الجو ، ثم نتكاتف لنصير سحابة ، قال : ولكنكن قليل ، بضع قطرات لا تساوي شيئًا ، أجابت أخرى : نحن بأنفسنا لا نساوي ، ولكننا يغيرنا نساوي كل شيء ، أن التكاتف والتجمع والاتحاد ، من صفاتنا ، وهي أمور تعطي للأشياء قيمتها ، وبدونها لا تستقيم الحياة .شغف لمعرفة الرحلة العجيبة :
عاد للفلاح الصغير صحوة كاملاً ، وأدرك أن ما في كفه قطرات ماء لا هن فراشات ، ولا هن يتحدثن ، وأن كل ما حدث ما هو إلا وهم وخيال في داخل رأسه ، ومع ذلك فقد استمتع بهذا الحديث واشتاق إلى معرفة ، بقية الرحلة العجيبة ، رحلة هذه القطرات ذات الأجنحة الوهمية ، فسأل : ماذا بعد ذلك؟أجابت احداهن : تزفا الرياح سحابًا ثقالًا ، وتوزعنا على اليابسة ، بعضنا ينزل مطرًا يروي الأرض ، ويمد جوفها بمخزون من الماء ، وبعضها يهبط على منابع الأنهار فتفيض ، ولا ندري إن كان من نصيبنا ، أن نساق إلى الحبشة فنهبط على جبالها ، ونسيل على بحيرة تانا ، لنبدأ رحلتنا من جديد.نهاية الرحلة :
قال : كأن بداية الرحلة كانت من بحيرة تانا ، كن جميعًا ؟ ، أجابت احداهن : نعم ، وقد مررنا ببلاد السودان ، ثم احتجزنا السد العالي فترة ، وعندما أطلق سراحنا ، ها قد جئنا ليفيض بنا نهر النيل كما ترى ، وهنا نفض الفلاح الصغير يديه ، من قطرات الماء ، وهو يتمتم قائلاً : سبحان الله العظيم ، سبحان الله العظيم ، سبحان الله العظيم .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك