لن يغادر الأسد عرينه في هذا اليوم إنه يشعر بالتعب والإعياء ، ولا يرغب كعادة في كل صباح أن يقوم إلى الغابة لكي يملئها زئيرًا ، مرت الساعات وهو راكد في مكانه كسولًا ، ثن خطر بباله أن يلجأ لطبيب الغابة لعله يجد لديه علاجًا للضعف الذي أصابه فلما كشف عليه الطبيب أخبره بأن مرضه ليس عضويًا ، فإن أعضاءه كلها سليمة صحيحة ، ولكنه يعاني من مرض نفسي طارئ وعليه أن يحاول البحث عن السعادة وراحة البال فإن عرف سبيل سعادته ، شُفي تمامًا وعاد لسيرته الأولى .عاد ملك الغابة إلى العرين حزين ومكتئب ، وراح يفكر فيما قاله الطبيب وما أن هبط الليل وساد السكون ، حتى خرج متثاقل يتفقد الرعية ، وهو حزين كسير القلب ، يبحث عممن يعطيه من الحيوانات السعادة التي عليه أن يجدها ، لكي يشفى من مرضه .ووجد الثعلب يتلفت مضطربًا يمنيًا وشمالًا وعينيه قلقتين فتعجب منه وسأله عن سبب أرقه وقال فأخبره الثعلب أنه أصطاد فريستين ولن احدهما فرت منه وعادت للغابة ، فأخذه النوم وراح يقظ عند باب حجر يزوغ بعينه ، فهز الأسد رأسه وقال أنت جشع طامع ، ولن تجد سعادتك أبدًا ، ثم تركه ومضى في سبيله فلمح الغزال البني يختال بنفسه وفلما شاهد الأسد استعد للهروب ولما حاول الأسد طمأنته أنه لم يمكن له شرًا .قال الغزال بخوف أنا لا اطمئن لأحد في هذه الغابة ، فالجميع يطمع في جمالي وجسمي وأنت أولهم يا ملك الغابة ، وتركه الأسد ومضى وقال في نفسه وأنت أيضًا أيها الغزال لن تجد سعادتك مطلقًا لأنك شارد دائم الخوف لا تستقر في مكان .فلمع فجأة هشهشة فنظر فلمح العقرب فقال له الأسد أنت تسعى طوال النهار ألا تنام في الليل أبدًا ، فأجابه العقرب كيف تريد مني أن أنام وأنا أشعر بالجوع إنني اتربص هنا من ألدغه وأقتله ، وبالطبع ليس أنت يا ملك الغابة فعقد الأسد حاجبيه وقال أنت أيها التعيس عدو نفسك لا صديق لك ولا أنيس فكيف تهنأ في عيشك ، وكيف تنام ملء جفونك وفيك هذا التفكير كيف .وكان الأسد قد وصل إلى وسط الغابة عندما شاهد الأفعى تنساب على العشب فلما رأته حيته وقال لها ألا تعرفين الراحة والهدوء ألا تنامين وتحلمين ، فقالت الأفعى وهي تتلوى وكيف أنام يا ملك الغابة وأنا بحاجة لضحية لكي أنفد فيها سمي ، فقال لها الأسد أيتها الحمقاء أنت لن تجدي للسعادة سبيل فقلبك ملئ بالحقد والكراهية والأذى وأكمل الأسد طريقه فمر بالدب والفهد وكلهم كانوا يتربصون صغار الحيوانات ، وعلم أن هؤلاء جميعًا لا يعرفون طعم السعادة ، ولن يجدوا إليها سبيلًا .وبينما هو يفكر في العودة لمح فوق شجرة عشًا صغيرًا لطائر ملون ، ستر أفراخه بجناحيه ونام فوقها هادئًا سعيدًا وهي من تحته تروح في نوم عميق آمنة مطمئنة ، فتعجب الأسد من هذا المنظر وأدرك أن هذا الطير الصغير قنع بما قسمه الله له ، بقي الأسد قليلًا ينظر لعش الطائر الوديع وخشى أن يوقظ الصغار فمشى على مهله بعيدًا وقال في نفسه تلك العصافير قانعة بما قسمه الله لها فأكلت ونامت سعيدة فصحت أبدانها وقرت أعينها .وعندما وصل ملك الغابة إلى عرينه أدرك مغزى مقوله الطبيب وعرف أن السعادة في القناعة وأن الطمع والشراهة يجلبان إلى صاحبهم المرض النفسي ، وفي صباح اليوم التالي كان الأسد قد شُفي من مرضه وعاد إليه نشاطه .من قصص كليلة ودمنة ..