قصة الحائط

منذ #قصص اطفال

بدا الحائط متنهدًا وهو يتحدث قائلًا : آه من أين أبدأ كلامي ؛ وماذا أقول ؟ ، فمنذ عشرة أعوام أتذكر أنني كنت ترابًا أشرب المطر وأقوم بأكل البذور ، غير أن طعامي وشرابي مختلفان عن البشر ، حيث أنني أقوم بإخراج تلك البذور من جوفي في فصل الربيع ، والتي تبدو على هيئة زهور ملونة وحشائش خضراء مبهجة للعين .أكمل الحائط حديثه قائلًا : أتذكر ما فعلته أم عدنان معي ، حيث جاءت ذات صباح وهي تحمل سطلًا ومجرفة ، ثم جرفتني وقامت بوضعي في السطل ، ثم أفرغتني أمام بيتها ، وبعد أن ملأت عدة سطول والتي بدت على هيئة كومة ؛ قامت بإحضار القش والماء ، ثم قامت بعجننا مع بعضنا ، وبدأت فيما بعد تبني منا حائط بين بيتها وبيت جيرانها .لازال الحائط يتكلم : شعرت بالصلابة والقسوة بعد أيام  ، مما جعلني حزينًا ، ولكن في اليوم التالي شعرت بالفرح بعد أن قامت أم عدنان بطلائي بالكلس الأبيض ، حيث أصبحت مثل حمامة بيضاء ، ثم بدأت قصة سعادتي ، حيث يقفز الديك الملون على ظهري في الصباح وهو يصفق بجناحيه ليصيح معلنًا عن ولادة أمل جديد ، فتسرع إليه الدجاجات في فرح ، وتقوم بالنبش عند قدمي لتبحث عن حبات لذيذة تتسابق إلى نقرها .يواصل الحائط حديثه : يستفيق الأولاد ، ثم يقومون بالنداء على بعضهم البعض ، حيث يجتمعون بجانبي ليبدأ اللعب ، حيث يقوم سعفان ومحمود بالقفز فوقي ، ثم يرجعان إلى الخلف وهما يركضان ، ثم يقفزان وهما يضعان أيديهما على ظهري ، فيظهران مثل مهرين رشيقين وهما يقفزان العوارض الخشبية .ثم يأتي كل من حمدان وجدعان وخلفان ليلعبوا لعبة الاختباء ، حيث يختبئ حمدان خلفي مثل أرنب خائف ، فأُشعره بالحنان كأم  ، وتأتي ريم نحوي وهي تحمل قطعة من الفحم ، ثم تقوم بالرسم على وجهي الأبيض ، في بعض الأحيان ترسم سرب سنونو أو دمية قماشية او مزهرية.. ، وكلما امتلأ وجهي بتلك الرسوم أو الأشعار أو الأسماء ؛ تقوم أم عدنان بطلائي مرة أخرى بالأبيض.يقوم اللون الأبيض بإغراء الأطفال كي يقومون بالرسم والكتابة على سطحي من جديد ، حيث يأتون حاملين الفحم الأسود ، ثم يقومون بالهرولة تجاهي وكأنني مدرسة فتحت أبوابها من أجلهم لليوم الأول ، ثم تقوم أم عدنان عند العصر بوضع سجادة من الخرق الملون فوق ظلي الكثيف ، ثم تنام قيلولتها .وعلى الرغم من كل هذا ؛ فإنني لم أنس علاقة صداقتي مع الحشائش والزهور ، حيث تنتش البذور التي أحملها في باطني بعد كل شتاء ، فتظهر رؤوس الحشائش والأزهار من شقوقي ثم تكبر ، فكم كان رائعًا منظر إحدى الزهور ذات اللون البنفسجي حينما نمت فوق المزهرية الفارغة التي قامت ريم برسمها ، حتى جاء أهالي البلدة كلهم ليشاهدوا تلك المصادفة الجميلة .وتمر السنوات وتتابع الفصول وتزدادا التشققات بداخلي ، فأشعر أنني لا أستطيع حتى أن أحمل ديك خفيف الوزن ، ثم أسمع من عدنان أنه يريد هدمي ، حيث كان جالسًا مع أمه اليوم في ظلي ، ثم أسند ظهره عليّ قائلًا لأمه :”سأهدم هذا الحائط ، إنه أصبح متهالك ويكاد أن ينهار” ، فتقول أمه : “وهل سنظل دون حائط ؟أجاب عدنان بقوله :”ومن قال هذا ؛ فسأبني بدلاً منه سورًا من الحجارة المصقولة” ، ثم دخل إلى بيته وخرج فيما بعد حاملًا آلة حديدية كبيرة ، فارتجفت من شدة الخوف ، وكدت أن أنهار ، غير أنني تماسكت فيما بعد حينما شاهدت أم عدنان وهي ناظرة إليّ بعينين حزينتين قائلة :”أدخل هذه الآلة ، فأنا راضية بالحائط هكذا”.قال عدنان :”ولكنه حائط قديم” ، فقالت الأم :”قم ببناء بيت جديد لنفسك ، وابن أمامه حائط من الحجر ، أما أنا فسأرمم هذا الحائط” ، ثم قامت بالمسح على ظهري بيديها الحنونة ، ثم نزلت منها دمعتان ساخنتان ، حينها زال خوفي ، وأقسمت أنني سأقوم بإهدائها زهرتين بيضاوين مكان هاتين الدمعتين في الربيع القادم .القصة من أدب الأطفال العربي للكاتب السوري : خير الدين عبيد

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك