يُحكى أنه كان أحمد بن طولون حاكم مصر ، متحليًا بالعدل مع تجبره وسفكه للدماء ، وكان يجلس للمظالم ، وينصف المظلوم من الظالم .العباس وأبيه :
حكى أن ولده العباس استدعى بمغنية ، وهو يشرب الخمر صباحًا ، فلقيها بعض صالحي مصر ومعها غلامٌ ، يحمل عودها فكسره ، فدخل العباس إلى أبيه وأخبره بذلك ، فأمر بإحضار ذلك الرجل الصالح … فلما حضر إليه قال : أنت الذي كسرت العود ؟ قال : نعم ، قال : أفعلمت لمن هو ؟ قال : نعم ، قال : أما أكرمته لي ؟.لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :
فقال : أأكرمه لك بمعصية الله ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟ فأطرق أحمد عند ذلك ، ثم قال : كل منكر رأيته فغيّره ، وأنا ورائك .. فهذا الرجل الصالح لمّا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، عملاً بقول الله سبحانه تعالى ، في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ
صدق الله العظيم .. الآية 110 من سورة آل عمران ، فقدّم طاعة الله على طاعة المخلوق ، نجّاه الله وأكرمه وجعل المخلوق يحبه ويكرمه .فليست هناك طاعة مطلقة إلا لله تعالى ورسول الله صل الله عليه وسلم ، فإن أمر إنسان إنساناً آخر بمعصية فلا طاعة له ، عملاً بقول الله سبحانه تعالى ، في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
.. صدق الله العظيم .. الآية 59 من سورة النساء .قال الشنقيطي في كتاب أضواء البيان : أن تكرر الفعل بالنسبة لله وللرسول ، ولم يكرره بالنسبة لأولي الأمر، لأن طاعتهم لا تكون استقلالًا ، بل تبعًا لطاعة الله ، وطاعة رسوله ، كما في الحديث : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .المواقف النبوية الدالة على الحديث :
ومن المواقف النبوية الدالة على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ما رواه البخاري في صحيحه عن عليّ كرم الله وجهه ، أن النبي صلّ الله عليه وسلم ، بعث جيشاً وأمَّر عليهم رجلًا ، فأوقد ناراً ، وقال : ادخلوها ، فأرادوا أن يدخلوها وقال آخرون : إنما فررنا منها ، فذكروا للنبي صلّ الله عليه وسلم ، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها : لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة ، وقال للآخرين : لا طاعة في المعصية ، إنما الطاعة في المعروف.. رواه البخاري .رواية القرطبي والسعدي في شرح الأصل في الحديث :
والأصل في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قول النبي صل الله عليه وسلم ، (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري ، وقد قال القرطبي : يعنى بالمعروف هنا ، ما ليس بمنكرٍ ولا معصية ، وقال السعدي: هذا الحديث قيَّد في كل من تجب طاعته من الولاة ، والوالدين ، والزوج ، وغيرهم ، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء ، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله ، وكلها بالمعروف ، فإن الشارع ردَّ الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة ، كالبر والصلة والعدل ، والإحسان العام ، فكذلك طاعة من تجب طاعته ، وكلها تُقيَد بهذا القيْد ، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم أو ترك واجب ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله.وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلّ الله عليه وسلم ، قال : على المرءِ المسلم السمْع والطاعة فيما أحبّ وكَرِه إلا أن يُؤْمَر بمعصية ، فإن أُمِرَ بمعصية فلا سَمْع ولا طاعة. رواه مسلم .