قصة إملاء

منذ #قصص اجتماعية

في أول يوم دخلت فيه إلى المدرسة ، صدمني وجهه ، كان يحتكم على وجه صحراوي عابس القسمات ، عصيّ البسمة ، شحيح الطيبة .مدرس الفصل :
له شارب كث ، وعينان مزروعتان بكتاب الإملاء ، وصوته الحلزوني ذو الصرير الحاد ينخر في رأسي بقسوة ، يتبخر في الفصل ، وعصاه تهتز فتعكر قلوبنا الصغيرة .قسوة وخوف ودماء :
يدور بين طاولاتنا ويملي علينا ما نكتب ونكتب ومع كل قطعة إملاء كانت ثمة عصا تتكسر ، ودموع تتناثر ، وخوف يسيل في الأفئدة ، يكفي أن تخطيء خطأً طفيفا حتى يثور ، ويعدل خطأك بعصاه الريانة ، التي إذا ما لمست جلدك حتى تببله بالدم .أنا وكراستي وغضب المدرس :
وقف في مقدمة الفصل ، وأطلق صوته : كان شهمًا فارسًا .. وعندما مد بصره في كراستي صعق ، ورفع صوته غاضبًا : اسمعوا ما كتب هذا الحمار ، كان سفيهًا ماجنًا …! أهذا ما تفوهت به !غضب وعقاب :
فجاءت تلك الأصوات من التلاميذ ، تردد : لا يا أستاذ .. لم تتفوه بذلك ، فشدني من شعري ، وأوقفني بجوار السبورة آمرًا إياي برفع يدي وقدمي اليمنى ، في البدء أضفت حرفًا ، وتعبت من الوقوف ، ومع الأيام أضفت جملاً ولم أتعب .تأديب للفصل كاملاً :
كنت قبل أن يمرر بصره على كراريسنا أخرج وأقف ، بجوار السبورة رافعًا يدي وقدمي اليمنى ، ثم تبعني الآخرون ، حتى وقف الفصل كاملاً ، تقطر وجهه بالبشر ، وتطلع إلى وجوهنا ، بمكر وقال : جميل أن تأدبوا أنفسكم .العنف والدماء مرة أخرى :
وفي مرة من ذات المرات وأثناء العقاب الجماعي على السبورة ، تعبت وشعرت أنني أريد أن أريح قدمي قليلاً ، فأسقطتها بعنف على صوته القوي ، وما كان منه حينها إلا أنه ارتفع عصاه على هامتي ليتقطر الدم على حذائي الأبيض .العودة من خارج البلاد :
مرت الأيام ومرت والسنوات ، وأكملت دراستي الجامعيه ، وسافرت إلى خارج البلاد لأحظى بتخصص شديد الدقة في المجال الذي درسته في الطب ، وعدت بعد دراستي من الخارج وأصبحت أمتلك مشفى خاص يحمل اسمي ، فقد اشتهر صيتي في مجال الطب كثيرًا ، ومع ذلك لم أنسى قط مدرس الاملاء .ذكريات رغم مرور السنوات :
وفي إحدى الأيام ، جاءت للمشفى حالة خطرة لرجل عجوز ، تسمرت حينما وقعت عيني على تلك القسمات العابسة ، إنه هو بالفعل بنفس الغضب والقسمات العابسة ، ولكن أصابه الوهن مع العجز وكبر السن ، لم أنسى العصا ولا الصوت الأجش ، ولا الخوف كل ذلك مر لثواني على ذاكرتي .وأثناء تحضيري للدخول غرفة العمليات لإجراء العملية للحالة الخطرة ، وبعد الانتهاء بنجاح باهر من اجراء العملية ، تساءلت في نفسي ، هل كان نجاحي في العلم يحتاج إلى كل هذا الكم من العنف والعبوس ، هل كان يحتاج تقطير الدماء على الحذاء الأبيض ، هل كان يحتاج إلى الرعب من الإملاء ؟

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك