قصة عندما أخجلتني زوجتي

منذ #قصص اجتماعية

نساها في زحمة سفراته وأعماله طاف كل البلدان أما هي فلا ، كانت حبيسة بين أربعة جدران طيلة عشرين عامًا لم تخرج من الظهران ، كانت نزهتها الوحيدة بيت أمها ولكن بعد عشرين سنة ، ابتسم لها القدر حينما اصطحبها أخوها لرحلة للرياض ، نعم هي كانت ترى القدر هكذا ابتسم فجأة بعد سنوات انتظار .فقد شعر بها أخوها القروي البسيط الذي كان يرى حالها المتواضع مقارنة بحالٍ زوجها المتعلم المثقف الذي جاب أنحاء العالم ، فبعد عشرين عامًا طلب منه اصطحاب أخته معه في رحلة من الظهران إلى الرياض ، وأخذها معه في سيارته القديمة إلى الدمام ، وأثناء العود ترجته كي تركب الطائرة التي يركبها خالد زوجها دائمًا .والتي تسمع صوتها يدوي في السماء كل حين وأخر ، فوافق أخيها ولبى رغبتها تلك حينما قطع لها تذكرتين هي وابنها ، أما هو فعاد بسيارته القديمة فرحًا بأن أخرج العصفور من قفصه بعد سنوات عجاف ، كانت سارة تشعر أنها في عالم موازي فلم تصدق نفسها إنها الآن على متن طائرة تفرد أجنحتها تحت شعاع الشمس وجوف السماء .إن الهواء البارد بالأعلى يلامس روحها يجعلها أخف من ورقة شجرة تتقاذفها الرياح ، عادت سارة من تلك الرحلة امرأة أخرى كانت تلك السفرة حلم لم تتخيل حدوثه ولم تطلب من زوجها خالد في مرة حتى أن يصطحبها معه ، وهو نفسه لم يفكر حتى فقد ظن أن زوجته التي تعيش بين الأطباق والوصفات وأعباء الأسرة والمنزل لا تحتاج سوى للمال الذي يجمعه فقط .وفي تلك الليلة لم تنم سارة لم تستطع أن تكف عن الثرثرة والحديث ، أخذت تحكي لخالد وتحكي وصفت له الطائرة التي يعرفها جيدًا واستقلها عشرات المرات ؛ مقاعدها الوثيرة مداخلها وأضوائها ووجباتها وأزياء المضيفين وحتى شكل أحزمة الأمان ، كانت كطفلة صغيرة تطأ أقدامها الشارع لأول مرة وتنظر لكل شيء بافتتان وانبهار ، بدت للآخرين كما لو أنها قادمة من كوكب أخر حتى أنها بدت لزوجها هكذا ، رآها لأول مرة كما لم يراها من قبل كانت شفافة رآها من الداخل .وهي لا تتوقف عن الحكي تصف الدمام والرحلة من بداياتها لنهايتها ، وحينما حكت له عن البحر الذي رأته لأول مرة في حياتها ، سارة التي تبلغ من العمر الأن أربعين عام لم ترى البحر إلا بعد أن خط الشيب في رأسها ، أخذت تحدثه عن سحر البحر وكيف أنه يتحول بالنهار تكسوه الزرقة وفي الليل يصبح معتم شديد السواد ، أخرجت أحلامها من جعبتها وأخذت تسردها عليه .حدثته عن رغبتها في اللعب على شاطئ البحر كالأطفال ، عن لمستها للرمال التي لولا الخجل لشكلت منها قصرًا جميلًا يسكنونه معًا في الخيال ، أسمعته صوت الصدف الذي أحضرته معها وحكت له عن السمكة التي اصطادها لها أخيها ولكنها أفلتتها كي تنعم بالحرية ، مثلما نعمت بها هي في تلك الرحلة ،  لم تقل له أخيرًا تنزهت في الجنة التي حرمتني منها سنواتٍ طوال فكل هذا لم يكن يشغلها .كان شاغلها الأكبر رحلتها التي جلست على ركبتيها وهي تسردها عليه كطفلة صغيرة تشاهد مدينة للألعاب وتستمتع بأضوائها الساطعة رغم أن عيناها لم تعتد سوى الظلام ، كل هذا وخالد يسمع ولا ينطق أكل تلك الفرحة التي ملأت بها سارة الكون من أجل رحلة ؟أرؤية البحر فعلت بها الأفعاليل ؟ كان خالد يفكر في نفسه كيف لم يصطحبها معه ولو مرة كيف ظن أن زوجته القروية البسيطة التي لم تكمل تعليمها لن تحتاج لمثل تلك الأمور ؟ أليست إنسانه مثلها مثله ومثل أي شخص أخر مهما اختلفت طبقته أو درجة تعليمه تحتاج لسفرة أو نزهة ؟ كل تلك الأفكار كانت تدور بعقل خالد .ولكن فجأة قفزت سارة من مكانها وقطعت تلك الأفكار وهي تقول : انتظر يا خالد لقد أحضرت لك هدية ، ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها زجاجة عطر رقيقة ومداس ليرتديه في المنزل ، هنا لم يستطع خالد كتمان مشاعره فكم من مرة سافر وغاب ولم يعد لها بهدية ، كان يرى أن المال الذي يعطيها إياه هو الذي يشتري كل الهدايا لذا لا قيمة للهدية طالما أن المال موجود .ورغم ذلك حينما سافرت هي سفرةً يتيمة تذكرته بهدية ، شعر خالد لأول مرة بالألم والذنب وكأن سعادتها تلك كشفت له عن مدى تقصيره معها ، تلك الزوجة الصابرة التي لم تشتكي ولم تطلب ، تلك الزوجة التي رآها مناسبة لتربية أولاده ورعاية بيته فتزوج منها رغم قلة تعليمها وظن أن المنزل فقط هو مكانها الأمثل .نظر خالد إلى عيني زوجته لأول مرة من قلبه وقال لها كلمة لم يتخيل أنها سيقولها من قبل ، قال لها : أحبك فتسمرت سارة مكانها وكفت عن الثرثرة ، لمعت عيناها وشعرت أنها مازالت في رحلة العالم الموازي ، لا بد أن مازالت على متن الطائرة ، وأن ملائكة السماء تهاتفها شعرت أنها في رحلة أعجب من الدمام والبحر والطائرة ؛ إنها رحلة الحب التي بدأتها بعد عشرين عامًا من الزواج الملول.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك